وأنقى، من أن يكونَ ناقِلوها أهلَ استِقامةٍ» «من» هنا لابتداء الكلامِ واستفتاحِه.
وتأتي بمعنى:(على)، كما قال تعالى: ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ﴾ [الأنبياء: ٧٧] أي: عليهم، وفي الحديث:«اقرأوا القرآنَ من أربعةٍ» سمَّاهم؛ أي: على أربعةٍ، وقد تكونُ (مِن) هنا على بابها من ابتداءِ الغايةِ؛ أي: اجعلوا ابتداءَ أخذِكُم وقراءتِكُم من سماعِكُم منهم، كما قال في الحديث الآخر:«خُذوا»[خ¦٣٨٠٨]، وفي الآخر:«استقرِؤوا»[خ¦٣٧٥٨].
فممَّا يشكلُ ويوهِمُ من هذه الألفاظ في هذه الأصول
قوله في حديثِ وفدِ ربيعةَ:«ونخْبِرُ به مَن وراءَنا»[خ¦٥٣] هذا بفتحِ الميمِ فيها بغيرِ خلافٍ.
وقوله في الحديثِ الآخرِ:«وأخبِروا به مَن وراءَكُم»[خ¦٥٣] كذا هو في روايةِ ابنِ أبي شيبةَ: بالفتحِ، وفي رواية ابن مُثنَّى وابن بشَّارٍ:«مِن ورائِكم» بالكسر.
ومنه قوله:«إنِّي لأنظرُ من ورائي كما أُبصِرُ من بين يديَّ» هذان بالكسرِ والفتحِ، ورويناهما جميعاً على الاسمِ والحرفِ.
وفي كتاب البخاريِّ في (بابِ الخشوعِ في الصَّلاة): «إنِّي لأراكم مِن بعدي، و … مِن بعد ظهري»[خ¦٧٤٢] بالكسرِ عند الرُّواة، وسقط للمُسْتملِيْ لفظةُ:«بعد»، فعلى قوله:«مِن بعدي» أي: مِن ورائي، وكذلك معنى:«مِن بعد ظهري» كما تقول: مِن وراء ظهري، وكذلك على قوله:«مِن ظهري»، وقد يحتملُ أن تكونَ «مِن» هنا بمعنى: (في)، كما تقدَّم من معاني (مِن)، ومن ذلك قولُه:«لو اجتمعَ عليهم مَن بينَ أقطارِها» بفتحِ الميمِ، وعن ابنِ مَاهَانَ:«مِن أقطارِها»، وقول مسلمٍ آخرَ خُطبتِه:«ويستنكِرُه مَن بعدَهم» كذا رويناه بالفتح.
في ترجمةِ «الموطَّأ» وقوله: «من سلَّم مِن رَكعتَين» كذا لأكثرِ الرُّواة، ولأبي عيسى:«في رَكعتَين» وهما بمعنىً؛ «في» هنا بمعنى: «من».
وقوله في أهلِ الذِّمَّة:«ويقاتِلُ مِن ورائِهم» بكسرِ الميمِ لا غير؛ أي: تكلَّفوا القتالَ، قيل:«وراء» هنا بمعنى: أمام، وسنذكر الحرفَ في بابه. وكذلك أيضاً قولُه في:(الإمامُ جُنَّةٌ لمَن خلفَه): «ويُقاتَلُ مِن ورائه» بكسرِ الميم، قيل فيها: مِن أمامِه، والأظهرُ أنَّه على وجهِهِ، لمَّا جعله جُنَّةً وستراً؛ نبَّه على الاتِّباعِ له والقتالِ في ظِلِّ سلطانِه وجماعتِه، واللِّياذِ إلى حمايتِه، كما يقاتَلُ من وراءِ التُّرسِ.
وقوله في حديث المنافقينَ، وقولُ ابنِ أُبيٍّ: «لا تُنفِقوا على مَن عِندَ رَسولِ اللهِ حَتَّى