وجاء في غيرِ حديث:«فيَتجلَّى الله لهم» تجلِّي اللهُ تعالى ظهورُه للأبصار بكَشف الحُجُب عنها التي منعَتها حتَّى يرَوه تعالى.
قوله:«استَشارَه في الجَلاء» بفتحِ الجيم ممدوداً مخفَّف اللَّام لا غيرُ، معناه الانتقال عن المدينة، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَن كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الْجَلَاء﴾ [الحشر: ٣]، وهذه لغةُ أهل الحجاز.
في حديث المعتدَّة ذكَرَ:«كُحْلَ الجِلاء» هذا بكسرِ الجيم والمدِّ، ويُقال بالفتحِ والقصر، وقالَه ابنُ ولَّاد وأبو عليٍّ بالفتحِ والقصرِ في بابِ فعل، قال أبو عليٍّ: هو كُحلٌ يجلو البصَر، وقيل: هو الإِثمِد.
و «جلَى الله لي بيتَ المقدس»[خ¦٤٧١٠] أي: كشفَه وأبانَه حتَّى رأيتُه، رُوي بالتَّخفيف والتَّشديد، وقوله:«فجلَّى للمُسلمين أمرَهم»[خ¦٢٩٤٨] أي: كشفَه وبيَّنه.
فصلُ الاخْتلافِ والوَهمِ
قوله:«جُلُبَّانُ السِّلاح»[خ¦٢٦٩٨] بضمِّ الجيم واللَّام وتشديدِ الباء، كذا لأكثرِ الأحاديث، وكذا ضبَطناه، وكذا صوبَّه ابنُ قتيبة، ورواه بعضُ النَّاس:«جُلْبان» بسكون اللام، وكذا ذكره الهرويُّ، وهو الذي صوَّبَه، وكذا قيَّدناه فيه وفي كتاب ثابتٍ، ولم يذكر ثابتٌ سواه، وكذلك:«الجُلْبان» الحَبُّ الذي من القِطنيَّة بسكون اللَّام، قال بعضُ المتعقِّبِين: المعروفُ «جُرُبَّانُ» السَّيف والقَوس بالرَّاء، ولم يقُل شيئاً.
وفي البخاريِّ في (باب الصُّلح مع المشركين): «بجُلُبِّ السِّلاحِ فقط»[خ¦٢٧٠٠]، فُسِّر الجُلُبَّان في الحديث:«القِراب وما فيه»[خ¦٢٦٩٨]، وفي الحديث الآخر:«بالسَّيفِ والقوسِ ونحوِه»[خ¦٢٧٠٠]، وفي الآخَر:«لا تحمِل سِلاحاً … إلَّا سيوفاً»[خ¦٢٧٠١] قال الحربيُّ: يريد جفونَ السُّيوف، وقال غيرُه: هو شِبه الجراب من الأَدَم يُوضَع فيه السَّيف مغموداً، ويَطرَح فيه الرَّاكبُ سوطَه، ويُعلِّقه من آخِرةِ الرَّحْل، وهذا هو القِراب، مثلُ قولهم في الحديث:«القِرابُ وما فيه» أراد أن لا يدخلوها بسِلاحٍ ظاهرةٍ دخولَ المُحاربِ القاهرِ من الرِّماح وشبهِها، وأمَّا على رواية:«الجُلُبِّ» فقد يكون جمعاً أيضاً، ولعلَّه بفتح اللَّام جمع: جُلْبَة، وهي الجِلدة التي تُغشِّي القتَب، فقد سُمِّي بها غيرُها، كما سُمِّيت بذلك العُوذة المجلَّدة، وسُمِّيت بذلك قروفُ الجِراح إذا برَأت، وهي الجلود الَّتي تتقلَّع عنها.