منهم ماردٌ وحَذِرُوا من جرائرِه عليهم طردُوه عنهم وتبرَّؤوا منه، وسمَّوه اللَّعينَ لذلك، فهو في حقِّ الله ولعنتِهِ ومَن لُعِنَ: المُبْعَدُ مِن رحمتِهِ. و «اتَّقوا الملاعِنَ» هي جمعُ مَلْعَنَة، وهي المواضع الَّتي يرتفِقُ بها النَّاس، فيلْعنُون من يُحدِثُ بها ويَمنَع من الرِّفْقِ بها، كمواضعِ الظِّلِّ، وضِفةِ الماءِ، وقارعةِ الطَّريقِ، وشبهِ ذلك. ومنه في الحديثِ الآخر:«اتَّقوا اللَّاعِنَينِ» ويُروى: «اللَّعَّانَينِ» على التثنية فيهما سُمِّيا بذلك؛ لأنَّهما سببُ لعنِ النَّاس لمن فعلَ ذلك فيهما.
قوله في اللَّعان:«فذهبتْ لتلْتعِنَ» وعند الطَّبريِّ والأسَدِيِّ في حديث ابنِ أبي شيبةَ: «ليُلَعِّن» بضمِّ الياء وفتح اللام وكسر العين مشدَّدةً، وفيه:«ثمَّ لعَّنَ في الخامسةِ» وكلُّها صحيحاتُ المعاني؛ أي: كرَّرَ اللَّعنةَ كما جاءتْ به الشَّريعةُ.
[فصل الاختلاف والوهم]
قول مسلم-وذكرَ الأحاديث الضَّعيفة- وقال:«لعلَّها أو أكثَرَها أكاذيبُ» كذا للفارسيِّ من روايتنا عن الخُشَنِيِّ عن الطَّبريِّ عنه، وعن الأسَدِيِّ عن الشَّاشِيِّ عنه، وفي رواية العُذْرِيِّ وغيرِه:«وأقلُّها أو أكثرُها أكاذيب» وهو تصحيفٌ، والوجه: الأوَّل والصَّواب.
قوله في تقصيرِ الصَّلاة:«خرجتُ مع شُرَحْبِيلَ بنِ السِّمْطِ -إلى قوله: - فقلتُ له: فقال: لَعَلَّه» كذا بفتح اللام والعينِ عندَ بعض الرُّواةِ، وكذا كان ضبطُ شيخِنَا الخُشَنِيِّ فيه، وعند بعضهم:«لِعِلَّةٍ» بكسرهما وآخره تاء، وسقطت اللَّفظةُ عندَ أكثرِهِم، ولا يظهرُ لثبوتِها معنىً بيِّنٌ، ولعلَّها مُغيَّرةٌ، وكان الضَّبطُ الأوَّلُ أشبهُ وأقربُ معنىً؛ لأنَّ ذِكْرَ:«عمرَ» هنا مختلَفٌ فيه، وقد رُوِيَ:«ابنُ عمر» مكانَ «عمرَ» وهو خطأ، فلعلَّ بعض الرُّواةِ لذلكَ بانَ له الخطأُ فيه فقال:«لعلَّه رأيتُ عمرَ» نظراً من عندِ نفسِهِ، وتنبيهاً على الصَّوابِ المخالفِ للرِّوايةِ، والله أعلم.
قوله في قبضِ روحِ الكافرِ:«وذَكَرَ من نَتَنِها، وذكر لَعْنَاً» كذا في جميعِ النُّسخِ، وكان الوَقَّشِيُّ يذهبُ إلى أنَّ في اللَّفظِ تغييراً، ويقول: لعلَّه: «وذَكَرَ الخُرْءَ» لقوله قبلُ في طيبِ روحِ المؤمن: «وذَكَر المِسْكَ»، وهذا عندي من جسارتِهِ وتسوِّرِهِ، كأنَّه ذهب لمقابلةِ الِمسْكِ بما ذَكَر، كما قابلَ الطِّيبَ بالنَّتَنِ، ولم يكن مثلُ هذا في ألفاظِهِ ﵇، فما كان فاحشاً ولا متفحِّشاً، وقد كان يكنِّي عند الضَّرورة، فكيفَ بهذا، وليستِ المقابلةُ الَّتي ذهب إليها بأولى من مقابلةِ الصَّلاةِ على روحِ