بَعضِها لم يَقصِدْ به ذاكِرُه والمُحتَجُّ به التِّلاوةَ، وإنَّما أورَد ما أورَدَه على مَعنَى التِّلاوةِ.
وقد كان بعضُهم يستَعظِم ذلك ويقُولُ: هذه كتُب قُرِئت كثِيراً على مُؤلِّفيها وتَكرَّرت علَيهم، فكيفَ يُمكِن استِمْرار الخطَأِ والوَهمِ علَيهِم في ذلك، ولم ينتَبِهُوا ولا تَنبَّه له أحدٌ من السَّامعِين لذلك علَيهِم، وقد كان كثيرٌ منهم يحفَظُ كتابَه، وكذلك كثيرٌ ممَّن سمِعَه منهم، فكيفَ لا يحفَظُ ما احتَجَّ به من القُرآنِ، ولعَلَّ تلك الألفاظَ المُخالِفَة للتِّلاوةِ قِراءاتٌ شاذَّة كانَت قِراءاتهِم؟!
وإلى هذا كان يذهَب بعضُ مَشايخِ شيُوخِنا، وهو تعسُّف بعِيدٌ، فإنَّ القِراءَات الشَّاذَّة قد جمعَها أصحابُ علومِ القُرآنِ، وحصلُوها وضبَطُوا طرُقَها ومواضِعَها، ولم يذكُروا فيها شيئاً من هذه الحرُوفِ، وأيضاً فإنَّ القِراءةَ الشَّاذَّة غايةُ أمرِها أن تُعلَم ولا يجوزُ التِّلاوةُ بها، ولا الصَّلاةُ ولا الحجَّةُ بها.
فمِن ذلك ما جاء مِن ذلكَ في «المُوطَّأ»:
٢٦٢٠ - في (باب ما يُكرَه أكلُه من الدَّوابِّ): قوله تعالى: «﴿لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: ٣٤] ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦]» كذا وقَع في «الموطَّأ» عند يحيَى وابنِ بُكيرٍ وابنِ عُفيرٍ وكافَّتِهم، وإنَّما تِلاوَتُه وصَوابُه:«﴿الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: ٢٨]»، وأُرَاه سقَط على الرِّوايةِ تمامُ الآيةِ وابتِداءُ الآيةِ الأُخرَى الَّتي فيها ذِكرُ «﴿الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾»، وقال بعد قَولِه «﴿الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾»: و «﴿الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾» على طَريقِ التَّنبيهِ على ما في الآيةِ الأُخرَى، لا على طَريقِ التِّلاوةِ، وبدَليلِ أنَّ مالكاً ﵀ فسَّر بإثر ذلك في رِوايَةِ يحيَى وابنِ عُفيرٍ:«البائس بالفَقيرِ، والمُعترَّ بالزَّائرِ»، ولولا أنَّه ذكَر البائسَ قبلُ لما فسَّره، وفي رِوايَةِ ابنِ بُكيرٍ اقتصَر على تَفسيرِ:«القانع والمعترِّ».
٢٦٢١ - وفي كتابِ الظِّهارِ قولُه: «(وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ-منكم- مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا)» كذا في الأمَّهاتِ بزيادَةِ (منكم)، وكذا عند عُبيدِ الله ابنِ يحيَى عن أبِيهِ، وكذا عند ابنِ بُكيرٍ، وأسقَطَه غيرُهم وقرَأه على الصَّوابِ.
٢٦٢٢ - وفي الانتِعَالِ: «(اخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ)» كذا عند يحيى ابن