للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اختِلاف مَنازِل النَّاس في الدِّراية، وتفاوُتِهم في المَعرِفة وحُسنِ التَّأويلِ.

والصَّوابُ من هذا كلِّه لمن رُزِقَ فهماً وأُوتِي عِلماً إقرارُ ما سَمِعه كما سَمِعه ورواه، والتَّنبيهُ على ما انتَقَده في ذلك ورآه، حتَّى يجمَع الأمرين، ويترُكَ لمن جاء بعدَه النَّظرَ في الحرفَين، وهذه كانت طريقُ السَّلفِ فيما ظهَر لهم من الخَللِ فيما روَوه؛ من إيراده على وَجهِه، وتَبيِينِ الصَّوابِ فيه، أو طَرحِ الخطَأ البيِّن، والإضرابِ عن ذِكْره في الحديث جملَة، أو تبييضِ مَكانه والاقتصارِ على روَايةِ الصَّوابِ، أو الكنايةِ عنه بما يظهَر ويُفهَم لا على طريقِ القَطعِ.

وقد وقَع من ذلك في هذه الأمَّهاتِ ما سنُوقِف عليه، ونشيرُ في مَظَانِّه إليه، وهي الطَّريقةُ السَّليمةُ، ومذاهبُ الأئمَّة القويمة. فأمَّا الجَسارَةُ فخَسارَةٌ، فكثيراً ما رأينا من نبَّه بالخطأ على الصَّوابِ فعكَس الباب، ومن ذهَب مَذهَب الإصلاحِ والتَّغيير فقد سلَك كلَّ مَسلكٍ في الخطأِ، ودلَّاه رأيُه بغُرورٍ.

وقد وقَفتُ على عجائبَ في الوجهَين، وسَننبِّه من ذلك على ما ترى فيه العِبرَ، ونتَحقَّقُ من تحقيقه أنَّ الصَّوابَ مع من وقَف وأحْجَم، لا مع من صمَّم وجسَر.

وتَتأمَّل في هذه الفُصول ما تكلَّمنا عليه، وتكلَّم عليه الأشياخُ والحفَّاظُ، فيما أصلَحه أبو عبدِ الله بنُ وضَّاحٍ في «المُوطَّأ» على يحيى بنِ يحيى فيمن تقدَّم، وعلى ما أصلَحه القاضي أبو الوليدِ الكِنانيُّ على هذه الكتُب فيمن تأخَّر، وإظهارَ الحُجَج على الغلَط في كثيرٍ من ذلك الإصلاحِ، وبيانَ صحَّة الرِّواية في ذلك من الأحاديثِ الصِّحاحِ.

وكما وجَدنا مُعظماً من حفَّاظِ المتأخِّرين المَغارِبة أصلاً، البَغداديين نزُلاً، قد روَى حديثَ جُلَيبِيبٍ وقولَ المرأة: «أجُلَيْبِيبٌ إِنِيهِ!» فقيَّده (أَلجُلَيبِيبٍ الابنَةُ!) لما كان الحديثُ في خِطبَة ابنة هذه المَرأةِ، وهي قائِلَةُ هذا الكَلام، ولم ينفَهِم لمن لم يَعرِف معنى «إِنِيهِ»، وإلحاقَ بعضِ العَربِ هذه الزيادةَ الأسماءَ في الاستفهام عند الإنكار؛ ظنَّ أنَّه مُصحَّف من الابنة.

وكذلك فعَل في حَديثِ جُوَيرِيَة، وشكِّ يحيى بنِ يحيى في سَماعه اسمها في حَديثِه وقوله: (أحسِبُه قال: جُوَيرِيَةَ -أو الْبَتَّةَ- ابنَةَ الحارِثِ) فقيَّده (أو أَلِيته) بفَتحِ الهمزَةِ وكَسرِ اللَّامِ بعدها يَاء باثنتين تحتها مخفَّفة، وظنَّه اسماً، وأنَّ شَكَّ يحيى بنُ يحيى إنَّما هو في تَغيِير الاسم لا في

<<  <  ج: ص:  >  >>