حقَّقت هنا حُكمَه في غيرِه، قال بعضُهم: ولا يجوز عليه الاحتلام؛ لأنَّه من الشَّيطان، ولأنَّه لم يُرْوَ عنه في ذلك أثَرٌ، وقد يحتَمِل جوازُه عليه ولا يكون من الشَّيطان فيه مَدخَل، لكن لبُعدِه مدَّةً عن النِّساء، أو كثرةِ اجتماعِ الماء وقوَّةِ حرارتِه، والحُلم، بضمِّ الحاء وسكونِ اللَّام وضمِّها أيضاً: من حُلُم النَّوم ورُؤياه، والفِعلُ منه: حَلَم بفتحِ اللَّام، والمحتَلمُ والحالِم الذي بلَغ الحُلُم، بضمِّ الحاء واللَّام، وهو إدراكُ الرَّجل، وأصلُه من الاحتِلام في النَّوم، وفي الحديث:«على كُلِّ مُحتَلمٍ»[خ¦٨٥٨]، و «خذْ من كُلِّ حالمٍ ديناراً» أي: بالِغٍ.
وقوله:«وأَحْلامِ السِّباعِ» أي: في عُقولها وأخلاقِها، من التَّعدِّي والبَطش، والحِلْم -بالكسر- بمعنَى الصَّبر، لكن في الحِلْم الصَّفحُ وأمنُ المؤاخَذة، وهو ضِدُّ البَطش والسَّفَه والاستِشاطةِ، وأيضاً العَقلُ، والحَليمُ من أسماء الله تعالى بمعنى: العَفُوُّ والصَّفوحُ مع القُدرة، والفِعْلُ منه حَلُم، بضمِّ اللَّام.
ومِن هذا قولُه:«غَمَسَ يميناً في حِلْفٍ»[خ¦٢٢٦٣] وسنُفسِّرُه في حرفِ الغين إن شاء الله. ومنه قولُه:«لا حِلْفَ في الإسلامِ»[خ¦٢٢٩٤] أي: ما كانت الجاهليَّةُ تفعَلُه في الانتِساب والتَّوارث، وقد نسَخ الإسلامُ هذا بقوله: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٥] وآيةِ المواريث، وأصلُه أنَّهم كانوا يتَحالفون عندَ عَقدِه على التزامِه، والواحدُ: حَليفٌ، والجمعُ: حُلفاءُ وأحْلافٌ. ومنه قوله:«والحَلِيفان أسَدٍ وغَطَفانَ».
و «الحَلِف» بفتحِ الحاء وكسرِ اللَّام: اليمينُ، واحدتُه حَلْفةٌ، مثلُ تَمرةٍ، وهي الحِلْفُ أيضاً، لُغتان، وأكثرُ هذه الألفاظ وما اشتُقَّ منها متَصرِّفٌ في هذه الأمَّهات.
وقوله:«اليمينُ على نيَّةِ المُستحلِفِ» بكسرِ اللَّام؛ أي: طالبِ اليمين، وبَيْن العلماء في هذه المسألةِ اختلافٌ وتفصيلٌ ذكَرناه في غيرِ هذا الكتاب.
٤٨٩ - (ح ل ق) قوله: «عَقْرَى حَلْقَى»[خ¦١٥٦١] مقصورٌ غيرُ منوَّن، مثلُ سَكْرَى، ومن المحدِّثين من ينوِّنُهما، وهو الذي صوَّب أبو عُبَيد، قال: معناه: عَقَرها الله عقراً؛ أي: أهلَكها وأصابَها بوجَعٍ في حَلقِها، قال ابنُ الأنباريِّ: ظاهرُه الدُّعاءُ عليها، وليس بدعاءٍ، وقال غيرُ أبي عُبَيد:«عَقْرَى حَلْقَى»