وقوله:«مِن أفرَى الفِراءِ -ممدودٌ- أن يدَّعي الرَّجلُ غيرَ أبيه»[خ¦٣٥٠٩] أي: من أشدِّ الكذبِ، والفِريةُ: بكسرِ الفاءِ؛ الكذبةُ العظيمةُ، يقال: منه فَرِيَ: بالكسرِ يَفرِي، وافترَى افتراءً وفِريةً؛ إذا كذَبَ واختلَقَ كلاماً زوراً.
فصلُ الاختلافِ والوَهم
قوله:«ألم أركَ فرَغْتَ لأبي بكرٍ وعمرَ كما فرَغْتَ لعثمانَ» كذا قيَّدناه على القاضي أبي عليٍّ: بالرَّاءِ والغين المُعجمةِ، من الفراغِ والتَّهمُم، كما قدَّمناه في بابه، وقيَّدناه على أبي بحرٍ وغيرِه:«فزِعْتَ» بالزَّاي والعينِ المُهمَلة؛ من الذُّعر والهيبةِ، أو من الهبوبِ والمبادرةِ، كما سنذكُره بعدَ هذا في بابِه، وهذا هنا أظهَر.
وقوله في روايةِ أبي النَّضرِ في حديثِ الوَباءِ:«فلا يخرجنَّكم إلّا فرارٌ منه» بالضَّمِّ عندَ أكثرِ الرُّواة عن يحيى «للموطأ»، ولابنِ بُكيرٍ وغيرِه من رواة «الموطَّأ» وهو البيِّنُ، والوَجه: أي لا تخرجُوا بسببِ الفرارِ ومجرَّدِ قصدِه لا لغيرِ ذلك، فإنَّ الخروجَ للسَّفر والحاجةِ مباحٌ، كما قال:«فلا تخرجوا فِراراً منه»[خ¦٣٤٧٣]، ورواه القعنبيُّ:«إلَّا الفِرارُ منه» وكذلك قالَ ابنُ أبي مريمَ وأبو مصعبٍ من رواةِ «الموطَّأ»، وهكذا رواه الجوهريُّ عن يحيى بنُ يحيى.
ورواه أبو عمرَ بنُ عبدِ البرِّ في «الموطَّأ» وعليه اختصرَه في «التَّقصِّي»: «إلّا فِراراً منه»[خ¦٣٤٧٣] بالنَّصبِ، قال: ووقعَ في نُسَخ بعضِ شيوخِنا: «إلَّا فراراً، وإلَّا فرارٌ» بالرَّفع والنَّصب، قال: وكذلك كان في كتابِ يحيَى، قال: ولعلَّ ذلك كان من مالكٍ، وأهلُ العَربيَّة يأبون هذه الرِّواية؛ لأنَّ دخولَ «إلَّا» هنا بعدَ النَّفي لإيجابِ بعضِ ما نُفي من الخروجِ، فكأنَّه نَهى عن الخروجِ إلَّا للفرارِ خاصَّةً وهذا ضدُّ المقصِدِ، والمنهيُّ عنه، إنَّما هو الخروجُ للفرارِ خاصَّة لا لغيرِه.
وبعضُهم جوَّز ذلك وجعلَ قوله:«إلَّا فراراً» حالاً لا استثناءً؛ أي لا تخرجُوا إذا لم يكن خروجُكم إلَّا للفرارِ، فتطابقَ الرِّواية والرِّواية الأخرى:«فلا تخرجُوا فراراً منه» و «لا يُخرجنَّكم الفرارُ منه» يتبيَّن ذلك منه، ووقعَ للقَنازعيِّ ووهبِ بنِ مسرَّة:«فلا يخرجكم الإفرارُ» وهذا وهمٌ وتغييرٌ، لا يقال: أفرَّ، إنَّما يقال في هذا: فرَّ لا غير، قال القاضي: يقال: أفرَّه كذا يَفرُّه.
ومنه قول النَّبيِّ ﷺ لعدي:«إن كان لا يُفِرُّكُ من هذا الدِّين إلَّا كذا» فيكون المعنى: