وقولُه في الجنَّة:«لا يدخُلنِي إلَّا ضُعَفَاء النَّاسِ وسَقَطُهم وعَجَزُهُم» بفتحِ السِّينِ والقافِ وفتحِ العينِ والجيم كلُّه بمعنىً، وسَقَطُ كلِّ شيءٍ رديئُه وما لا يعتدُّ به منهم، وعَجَزُهم جمعُ عاجزٍ؛ وهو الغبيُّ.
وفي الحديثِ الآخرِ في بعض الرِّوايات:«وعَجَزتُهم» وهو بمعناه، قيل: معناهُ العاجزُ في أمرِ الدُّنيا، ويكونُ بمعنَى قولِه:«أكثرُ أهلِ الجنَّة البُلْه» قيلَ في أمر الدُّنيا، والأَولى في هذا كلِّه أنَّها إشارةٌ إلى عامَّة المسلمين وسوادِهم؛ لأنَّهم غافِلُون عن أمورٍ لم تشوَّش عليهم دياناتِهم، ولا أدخَلتهم فطنتُهم في أمورٍ لم يصلُوا بها إلى التَّحقيقِ، فيكونوا من أهلِ علِّيِّين مع النَّبيِّين والصِّديقين والشُّهداءِ والعلماءِ وهم أقلُّ أهلِ الجنَّة، ولا وَقفَتْ بهم عن الوصولِ، وحَادتْ بِهم عن السَّبيل فضلُّوا بكفرٍ أو بدعةٍ فهلكُوا، والله أعلمُ.
وقولُه:«فَتعْجِزُوا عنها»[خ¦٩٢٤] أي: لا تُطِيقُوها، بكسرِ الجيم وفتحِها في الماضِي، عَجَز يَعجِزُ، وقد قيلَ في الماضِي بكسرِ الجيمِ، والفتحُ أعرفُ، قال الله تعالى: ﴿أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ﴾ [المائدة: ٣١].
ومنه قولُه:«كلُّ شيءٍ بقضاءٍ وقدرٍ حتَّى العَجْز والكَيْس» رويناه بكسرِ الزَّايِ والسِّينِ وضمِّهما، فمن ضمَّ جَعَلها عاطفةً على كلِّ، ومن كسرَ جعلَها عاطفةً على شيءٍ، وهي هنا على هذا بمعنى: الواوِ، وتكونُ في الكسرِ خافضةً وحرفَ جرٍ بمعنى «إلى»، وهو أحدُ وجوهِها.
والعَجْزُ هنا يَحتملُ أن يريدَ به: عدمَ القدرةِ، وقيلَ: هو تركُ ما يجبُ فعلُه والتَّسويفُ به، وتأخيرُه عن وقتِه، وقيل: ويَحتملُ أن يريدَ بذلك العَجْزَ والكَيْسَ في الطَّاعاتِ، ويَحتملُ أن يريدَ به في أمورِ الدُّنيا والدِّينِ.
وقوله:«إن رَعى الجَدْبَة … أكنتَ مُعَجِّزَهُ» أي: قائلاً له أو معتقداً فيه أنه فَعَل فِعْل العُجَّازِ غيرَ الأكياسِ.
وفي حديثِ ابنِ عمرَ:«أرأيتَ إن عَجَزَ أو استَحمَق»[خ¦٥٢٥٢] من هذا؛ أي: لم يَكِسْ في فعلِه، وعَجَزَ عن فعلِ الصَّوابِ، وعَمِلَ عَمَلَ الحمقَى.
١٥٩١ - (ع ج ل) قولُه: «حتَّى يَمُوتَ الأعجَلُ مِنَّا» كذا الرِّوايةُ في الصَّحيحَينِ [خ¦٣١٤١]، وهو صحيحٌ، وقال بعضُ المتعقِّبين: صوابُه: «الأعجَزُ» بالزَّايِ، ولم يَقلُ شيئاً، بل جَهِلَ الكلِمةَ، وهي كلمةٌ تستعمِلُها العربُ بمعنى: الأقربِ أجلاً، وهو من العَجَلةِ والاستِعجالِ، وهو سرعةُ الشَّيءِ، ومن أمثالِهم في التَّجلدِ على الشَّيءِ والصَّبرِ قولُهم: ليتَني وفلاناً يُفعَلُ بنا كذا وكذا حتَّى