هذه الرِّوايةَ الخَطَّابيُّ، وكذلك هي؛ لأنَّ مَقصودَ الحديثِ لا يَقتَضي أنَّ المُرادَ به الإذْنَ.
وإذا كان بمعنى الإعْلامِ قيل فيه آذَن ممدُودَ الهَمزةِ مَفتُوح الذَّالِ إيذانًا، وفي الحديث:«إنَّ الدُّنيا قد آذنَت بصَرْمٍ» أي: أعلَمَت به وأشعَرَت بانقطاعٍ ومُبايَنة، ومِثلُه:«فآذِنُوني بها» * [خ¦٤٥٨]، و «فآذَنَ النَّبيُّ ﷺ بتوبةِ الله علَينا»[خ¦٤٤١٨] كلُّه مخفَّفٌ بمعنَى أَعْلَمَ، وكذلك:«اضطجَعَ حتَّى يُؤذَنَ بالصَّلاة»[خ¦١١٦١] وكذلك «فآذَنَه بالصَّلاة»[خ¦١٣٨].
وإذا كان من الأذان والصِّياح، قيل فيه: أذَّنَ أذَانًا، ومنه:«فأذَّنَ بالرَّحيلِ»[خ¦١٥٦٠]، وبالحجِّ، قال الله تعالى: ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ﴾ [الأعراف: ٤٤].
وقد تكرَّرت هذه الألفاظُ في غير حَديثٍ، فيجِبُ تَصحِيح لَفْظها بتَحقيقِ مَعانِيها.
وفي حَديثِ ابنِ عمرَ ﵄ في «المُوطَّأ»: «أنَّه أُوذِنَ بالصَّلاة في لَيلةٍ ذاتِ بَردٍ» كذا رِوايةُ أبي عِيسَى عن عُبيدِ الله من الإعْلامِ، وروَاه غيرُه:«أُذِّنَ» من الأَذان، ورواه آخرُون:«أَذَّنَ» بفَتحِ الهَمزةِ من الأَذان أيضًا، وكذلك رواه البُخاريُّ [خ¦٦٦٦].
وقوله:«يصَلِّي ركعتَينِ قبلَ الغَداةِ-يعني الفجرَ- كأنَّ الأَذانَ بأُذُنَيه»[خ¦٩٩٥] يريد تَعجِيلَه بهما، والأذانُ هنا إقامةُ صَلاة الصُّبحِ، وقد فسَّره في الحَديثِ بنَحوٍ من هذا، فقال:«أي: بسُرعَةٍ»[خ¦٩٩٥].
٣٤ - (أ ذ ي) قوله: «لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ فإنَّه أذًى» ظاهرُه أنَّ المُصحَّ يَتأذَّى بذلك، إمَّا لكَراهة النُّفوس ذلك، أو من أجل العَدْوَى وكَراهَة التَّعرُّض لذلك، وقيل: معناه: إنَّه يَأثَم، قال أبو عُبيدٍ: معنى الأذى عندي المَأثَمُ، فيحتَمِل أن يعُودَ على فاعلِ ذلك لما يدخل على المُصِحِّ من كراهة جِواره وتأذِّيه به، ويحتَمِل أن يَعُود على المُصِحِّ المَنزُول عليه؛ لأنَّه عرَّضه لاعْتِقاد العَدْوى والتَّطيُّرِ، فيَأثَمُ بذلك.
وفي أيَّامِ الجاهليَّة:«إذْ أقبَلَت الحُدَيَّةُ»[خ¦٣٨٣٥] كذا لهم، وعند الأَصيليِّ:«إذَا أقبَلَت» وهو وَهمٌ.
فصلُ الاخْتلافِ والوَهمِ
قوله:«إذا خرَجَ عمرُ وجلَسَ على المِنبَرِ وأذَّنَ المؤَذِّنِون» كذا ليحيَى وجماعَةٍ غيرِه من أصْحابِ «المُوطَّأ» في الحَرفَين، وروَاه ابنُ القاسمِ والقَعنبيُّ وابنُ بُكيرٍ ومُطرَّف:«المؤَذِّنُ» على الإفْرادِ، وكذا عند ابن وضَّاحٍ،