وقوله:«وكِلْتا يَدَيْه يَمينٌ» تَنبِيه للعُقولِ القاصرَةِ ألا يتوهَّم أنَّ المرادَ بيَديه ويَمينِه ما عقلُوه في المَخلُوقِين من الجَوارحِ، وأنَّ منها يمِيناً وشِمالاً، بل نبَّه أنَّ اليدَ واليمينَ من صِفاتِه الَّتي لا تُتَخيَّل، ولا تُشبَّه وليسَت بجَوارحَ.
وقوله:«فيُؤخَذُ بهم … ذاتَ اليَمينِ»[خ¦٣٤٤٧]، وفي الأُخرَى:«ذاتَ الشِّمالِ»[خ¦٣٣٤٩]، و «أَدْخِلْهم من البَابِ الأَيمنِ من أَبوابِ الجنَّةِ»[خ¦٤٧١٢]، مثل قوله تعالى: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾ [الواقعة: ٢٧]، ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ﴾ [الواقعة: ٤١] و ﴿فأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ [الواقعة: ٨]، و ﴿أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ﴾ [الواقعة: ٩] قيل في معاني هذا كُلِّه: إنَّها المَنازِل الرَّفيعة، كأنَّها من اليُمنِ، وخِلافُها المَنازِل الخَسيسَة، كأنَّها من الشُّؤمِ، والعربُ تُسمِّي الشِّمال شُؤماً فهما بمعنًى.
وقيل: أهلُ اليُمنِ هنا والمَيمنَة أهلُ التَّقدُّم، وبضِدِّه الآخرُون أهلُ التَّأخُّر، قال أبو عُبيدٍ: يقال: هو مُحتبِي باليَمينِ؛ أي: بالمَنزلةِ الحسَنةِ، وقيل: هي طرُق اليَمينِ إلى الجنَّةِ، والشِّمال إلى النَّار.
وقيل: أصحابُ اليَمينِ والشِّمالِ، والمَيمَنةِ والمَشئَمةِ الذين أخذُوا كتُبهم بأَيمانِهم أو شمائلِهِم.
وقيل: اليمينُ هنا الجنَّة؛ لأنَّها عن يَمينِ النَّاس، والشِّمالُ بضِدِّها.
وقيل: أهلُ اليَمينِ والمَيمَنة الذين خلَقَهم الله تعالى في الجانبِ الأيمَنِ من آدمَ، وهو الطَّيبُ من ذُريَّتِه، والآخرُون الذين خلَقَهم الله في الجانبِ الشِّمالِ، والله أعلَم.
[وقوله:«الأَيْمنَ فالأَيمنَ»[خ¦٢٣٥٢] هذا في الشَّرفِ، وكذا يَنبغِي أن يكون في غَيرِه، ويدُلُّ عليه قوله:«يَمِّنوا»[خ¦٢٥٧١] أي: ابدؤُوا في أمُورِكم باليَمينِ؛ لما في لَفظِه من اليُمنِ، وكان هو يبدَأ بميامِنِه، والشَّرعُ قد جاء بإكرام جِهَة اليمينِ وتَنزيهِها، والبداءة بها في الخَيراتِ].