وذكَرنا في آخرِ كلِّ فَصلٍ من فُصُول كلِّ حرفٍ ما جاء فيه من تَصحيفٍ، ونبَّهنا فيه على الصَّوابِ والوجهِ المَعروفِ، ودعت الضَّرُورة عند ذِكْر ألفاظ المُتون وتقويمها إلى شَرحِ غريبها، وبيانِ شيءٍ من معانيها ومَفهُومها، دون تَقصٍّ لذلك ولا اتِّساعٍ، إلَّا عند الحاجة لغمُوضه، أو الحجَّةِ على خلافٍ يقَع هنالك في الرِّواية أو الشَّرحِ، ونِزاعٍ، إذ لم نضَع كتابنا هذا لشَرح لُغةٍ، وتفسير مَعانٍ، بل لتَقويمِ ألفاظٍ وإتقانٍ، وإذ قدِ اتَّسعنا بمِقدار ما تفضَّل الله به وأعان عليه في شَرحنا لكتاب «صحيح مسلم» المسمَّى بـ: «الإكمال».
وشذَّت عن أبواب الحرُوف نُكَتٌ مُهمَّة غرِيبَة لم تَضبِطها تراجمها؛ لكونها جملَ كلمات يضطرُّ القارئ إلى مَعرفةِ ترتيبها وصحَّة تَهذِيبها، إمَّا لما دخَلَها من التَّغييرِ والإبهامِ، والتَّقديمِ والتَّأخيرِ، أو أنَّه لا يُفهَم المراد بها إلَّا بعد تَقديمِ إعراب كلماتها، أو سُقوط بَعضِ ألفاظها، أو تَركه على جهة الاختصار ولا يُفهَم مراد الحديث إلَّا به، فأفْرَدنا لها في آخر الكِتاب ثلاثة أبوابٍ:
أوَّلها: في الجُملِ الَّتي وقَع فيها التَّصحيفُ وطَمَس معناها التَّلفيفُ، إذ بيَّنا مُفرَداتِ ذلك في تراجِمِ الحرُوفِ.
الباب الثَّاني: في تَقويمِ ضَبطِ جُمَلٍ في المُتُون والأسانيدِ، وتَصحيحِ إعرَابِها، وتحقيقِ هِجاء كِتَابها، وشَكلِ كَلِماتها، وتَبيِينِ التَّقديمِ والتَّأخيرِ اللَّاحقِ لها؛ ليَستَبينَ وجهُ صَوابها، ويَنفَتحَ للأفْهامِ مُغلَقُ أبوَابِها.
الباب الثَّالث: في إلحاق ألفاظٍ سقَطت من أحاديثِ هذه الأمَّهاتِ، أو من بَعضِ الرِّواياتِ، أو بُتِرت اختصاراً، أو اقتصاراً على التَّقريبِ بطريق الحديثِ لأهلِ العِلْم به، لا يُفهَم مرادُ الحديث إلَّا بإلحاقها، ولا يستَقِل الكلامُ إلَّا باستِدْراكها.
فإذا كَملَت بحَولِ الله هذه الأغراضُ، وصحَّت تلك الأمراضُ؛ رجَوتُ ألَّا يبقَى على طالبِ مَعرِفةِ الأصُولِ المَذكُورةِ إشكالٌ، وأنَّه يَستَغني بما يجِدُه في كتابنا هذا عن الرِّحلة لمتْقِني الرِّجالِ، بل يَكتَفي بالسَّماع على الشُّيوخِ إن كان من أهلِ السَّماعِ والرِّوايةِ، أو يقتَصِرَ على دَرسِ أصلٍ مُشهُور الصِّحَّة، أو يُصحِّحَ به كتابه، ويَعتَمِد فيما أشكَل عليه على ما هاهنا إن كان من طالبي التَّفقُّه والدِّرايةِ.
فهو كتابٌ يحتاجُ إليه الشَّيخُ الرَّاوي كما يَلجَأ إليه الحافظُ الواعي، ويَتدرَّج به المُبتدي كما يَتذكَّر به المُنتَهي، ويضطَر إليه طالبُ التَّفقُّه والاجتهادِ، كما لا يَستَغني عنه راغبُ السَّماع