للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وحاجتِهم، كقوله: «وابدأ بمن تَعُولُ» [خ¦١٤٢٦]، وقولُه تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ [البقرة: ٢١٩]، قيل: الفضلُ عن أهلِكَ، وقيل في قوله: «ما أبقَت غِنىً» تأويلٌ آخرَ؛ أي: ما أغنى المسكينَ عن المسألةِ وجَبَرَ حالَه.

ومنه قوله: «ورجلٌ ربطَها تَغنِّياً وتَعَفُّفاً» [خ¦٢٣٧١] أي: ليكتسبَ بها ويستغنِي عن النَّاسِ وسؤالهم والحاجةِ إليهم.

وقوله: «لا تَحِلُّ الصَّدقةُ لغَنيٍّ» هو من هذا، وعن أبي الدَّرداءِ: هي صحَّةُ الجسدِ.

وأمَّا الغِناءُ من الصُّوتِ فممدودٌ، وفي الحديثِ: «لَيسَ منَّا من لم يتغنَّ بالقرآنِ» [خ¦٧٥٢٧] قال سفيانُ: معناه يستغنِ به، يُقال: تغانَيتُ وتغنَّيتُ بمعنى: استغنيتُ.

وفي الحديثِ: «ما أذِنَ الله لشيءٍ أَذنَه لنبيٍّ يتغنَّى بالقرآنِ، يريدُ يَجهرُ بِه» [خ¦٥٠٢٣] فسَّره في الحديثِ أنَّه من الجهرِ وتحسينِ الصَّوتِ، كما قال في الحديثِ الآخرِ: «زيِّنُوا القُرآن بأَصواتِكم» [خ¦٩٧/ ٥٢ - ١١١١٥] وقيل: هذا المعنى في الحديثِ الأوَّلِ، وكلُّ رفعِ صوتٍ عندَ العربِ غِناءٌ، وقيل: معناه تحزينُ القراءةِ وترجيعِها، وقيل: معنى يتغنَّى به؛ أي: يجعلُه هِجِّيراه، وتسليةَ نفسِه، وذِكْرَ لسانِه في كلِّ حالاتِه، كما كانتِ العربُ تفعلُ ذلك بالشِّعرِ والحُداءِ والرَّجَز في تصرُّفاتِها وأسفارِها واستقائِها وحروبِها وأنديتِها.

وقول عثمانَ لعمَّارَ حينَ أتاه من عندِ عليٍّ بكتابِ رسولِ الله : «أغنِها عنَّا» [خ¦٣١١١] بقطعِ الألفِ؛ أي: اصرِفها وسِرْ بها عنَّا، وقيل: كُفَّها عنِّي، يقال: أَغنِ عنِّي شَرَّكَ؛ أي: كفَّه، وقيل ذلك في قوله تعالى: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس: ٣٧]، وفي قوله تعالى: ﴿لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم﴾ [آل عمران: ١٠] ومثله: ﴿إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا﴾ [الجاثية: ١٩] أي: يَمنَعُ ويكفُّ.

قوله: «جَاريتان تُغنِّيان بما تَقَاوَلت به الأنصار … قال: وليسَتا بمُغنِّيتَين» [خ¦٩٥٢] الغِناءُ الأوَّلُ من الإنشادِ، والثَّاني من الصَّفةِ اللَّازمةِ؛ أي: ليستا ممَّن اتصفَ بهذا، واتخذَه صناعةً إلَّا كما يُنشِد الجوارِي وغيرُهنَّ من الرِّجالِ في خلواتِهم، ويترنَّمونَ به من الأشعارِ في شؤونِهم، ويَحتمل أن يكونَ: «ليسَتا بمغنِّيتَين» الغناءَ المصنوعَ العجميَّ الخارجَ عن إنشاداتِ العربِ.

فصلُ الاخْتِلافِ والوَهمِ

قوله في حديثِ ابنِ مسعودٍ: «وأنَا لا أُغني شيئاً لو كانت لي مَنَعةٌ» كذا للحَمُّوْييِّ والنَّسفيِّ، وعندَ غيرِهما: «لا أغيِّر» [خ¦٢٤٠] بالياءِ والرَّاءِ، والأوَّلُ أوجَهُ، وإن كان معناهُما يصحُّ؛ أي: لو كانَ معي من يَمنعُني لأغنيتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>