﴿لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً﴾ [الزخرف: ٦٠] أي: بدلَكم، فمِن التَّبعيضِ قولُه ﵇:«حُبِّبَ إليَّ مِن دنياكم ثلاثٌ»، و «الحياء مِنَ الإيمانِ»[خ¦٢٤]، و «كذا وكذا من الإيمان»[خ¦٢/ ١ - ١٠]، و «ثلاثٌ مِنَ النِّفاق»، و «ليس مِنَّا مَنْ فعلَ كذا»[خ¦١٢٩٤]، و «لم أَرَ عبقريَّاً من النَّاس»[خ¦٣٦٣٣] في أحاديثَ لا تنعدُّ.
والمعنى الثَّاني: البيانُ وتمييزُ الجنسِ، وهو كثيرٌ أيضاً كقوله:«ويلٌ للأعقابِ مِن النَّار»[خ¦٦٠]، و «نعوذ بالله من فتنةِ المسيح، ومِن كذا ومِن كذا»[خ¦٨٣٢]، و «لا أحدَ أحبُّ إليه المِدحةُ من الله»[خ¦٤٦٣٧]، و «لا أحدَ أصبرُ على أذىً من الله»[خ¦٦٠٩٩]، و «لا أغيَرَ من الله»[خ¦١٠٤٤]، ومنه:«كان أجودَ من الرِّيحِ المرسَلةِ»[خ¦٦]، وقوله:«وما أنتَ أعلمُ به منِّي»[خ¦٦٣٩٨]، وقوله:«وتُصبِحُ غَرثى من لحومِ الغَوافِلِ»[خ¦٤١٤٦]، و «هل تعلمُ الذي أعلَمَ منكَ»[خ¦٧٤].
ومن معانيها: ابتداءُ الغايةِ، ومنه قوله:«منكَ وإليكَ»، و «سمعتُه من رسولِ الله ﷺ»[خ¦١٧٩].
وحكى قومٌ من النُّحاةِ أنَّها تأتي لانتهاء الغاية، من قولهم: رأيتُ الهِلالَ مِن خَللِ السَّحابِ، وقد يُقال هذا في قوله ﵇:«كما ترونَ الكوكبَ الدُّرِّيَّ الغابرَ من الأفُقِ» وهذا غيرُ سديدٍ عندي، بل هو على الأصلِ في الابتداء؛ أي: ابتداءُ ظهورِه إليَّ من خَلَلِ السَّحابِ.
ومن معانيها: تأكيدُ العمومِ والاستغراقِ: كقوله: «ما منكُم من أحدٍ إِلاَّ سَيكَلِّمُه رَبُّه»[خ¦٦٥٣٩]، و «ما مِن أحدٍ»[خ¦١٢٨]، و «ما مِنْ نَفْسٍ منْفوسةٍ إِلاَّ كُتبَتْ شَقيَّةً أو سَعيدةً»[خ¦١٣٦٢] وبعضُهم يسمِّيها هنا زائدةً، كقوله: ما جاءني من أحدٍ؛ أي: أحدٌ، وأبى ذلك سيبويه وقال: قولُكَ: ما رأيتُ أحداً، أو ما جاءني أحدٌ، قد يتأوَّلُ أنَّه أراد واحداً منفرداً، بل جاءه أكثر، فإذا قال: من أحدٍ، أكَّد الاستغراقَ والعمومَ، وارتفعَ التأويلُ، هذا معنى كلامِه، ومن هذا المعنى قوله:«وتوضَّؤوا من عندِ آخرِهم»[خ¦١٦٩] إنَّه للاستغراقِ وتأكيدِ العمومِ، و «ليس من البرِّ أن تصوموا في السَّفرِ»[خ¦١٩٤٦].
ومن معانيها: استئنافُ كلامٍ غيرَ جنسِ الأوَّل واستفتاحُه، والخروجُ عن غيره، كقول عائشةَ: -وأثنت على سودةَ ثمَّ قالت-: «مِن امرأةٍ فيها حِدَّةٌ».