للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الأشياءِ: أوائلُها.

ومنه: «أشراطُ السَّاعةِ» [خ¦٨٠] أي: مقدِّماتُها، وقيل: عَلاماتُها، وأشرَطَ نفسَه للشَّيءِ؛ أي: أعلمَها، ومنه سُمِّيَ «الشُّرَطُ» [خ¦٧١٥٥] لأنَّ لهم علاماتٍ يُعرَفونَ بها، هذا قولُ أبي عُبيدٍ، وأنكَر غيرُه هذا، وقال: إنَّما جمعُ الشُّرَطِ: شُرُوطٌ، وإنَّما الأشرَاط جمعُ: شَرَطٍ بفتحِ الرَّاءِ، وهو الدُّون من كلِّ شيءٍ، قال: «فأشْراطُ السَّاعةِ» ما يُنكِرُه النَّاسُ من صِغارِ أمورِها قبلَ قيامِها.

وقد يَحتمِلُ عندي هذا المعنى الحديثُ الأوَّلُ في شُرْطةِ المسلِمينَ؛ أي: يتعالمَونَ بينهم بعلامةٍ يختصُّونَ بها، وقيل: سُمِّيَ الشُّرَطُ شُرَطاً من الشَّرَطِ؛ وهو: رُذَالُ المالِ لاستهانتِهم بأنفُسِهم، وقال أبو عُبيدةَ: سُمُّوا شُرَطاً لأنَّهم أُعِدُّوا، وقال الأصمعيُّ: الشُّرْطَة هو الشُّرَطُ؛ أي: ما شارَطوا عليه فسُمُّوا به، والشَّرْطُ في البيعِ وغيرهِ؛ قالوا: هو من هذا؛ لأنَّها علاماتٌ جعلَها النَّاسُ بينهم، وعندي أنَّه تأكيدٌ من العَقدِ والشَّدُّ من الشَّريطِ، وهو شبهُ الحبلِ يُفتَلُ.

وقوله: «اشترِطي لهمُ الوَلاءَ» [خ¦٢١٦٨] من هذا قيل: أعلِميهم به وبحكمِه، وأظهرِيه لهم كالعَلامةِ، ويعضدُ هذا التَّأويلَ روايةُ الشَّافِعيِّ عن مالكٍ في «الموطَّأ»: «واشرطي لهم الولاءَ»، قال الطَّحاويُّ: أي: أَظهِري لهم حكمَهُ، وقيل: أشتَرِطِيه عليهم، كما قال: ﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ [البروج: ١٠] أي: عليهم، وقيل: على وَجههِ في اللَّفظِ، على وجهِ الزَّجْرِ، كما قال الله تعالى: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ [الإسراء: ٦٤] الآية، والله لا يأمرُ بهذا، وقيل: بل على طريقِ التَّوبيخِ والتَّقريعِ، وأنَّ ذلك لا ينفعُهم؛ إذ كان قد بيَّن حكمَه لهم قبلُ، فكأنَّه قال: اشتَرِطي أولاً فذلك لا ينفعُهم، وهو اختيارُ أبي بكرِ بنِ داودَ الأصبهانيِّ، قال: وليس المرادُ أنَّه أمرَها بذلك، ثمَّ يُبطِلُ الشَّرْطَ، ولكنَّه كقولِه تعالى: ﴿قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ﴾ [الأعراف: ١٩٥] استخْفافاً وتعجِيزاً؛ أي: إن دعوتُمُوهم أم لا لم ينفعُوكُم، ويعضدُ هذا روايةُ البخاريِّ من حديثِ أيمنَ عن عائشةَ وفيه: «ودعيهم يشترِطونَ ما شاؤُوا، فاشتَرِيها وأعتِقِيها، واشترطَ أهلُها الولاءَ، فقال: إنَّما الولاءُ لمن أعتقَ» [خ¦٢٥٦٥].

وقوله فيه: «شَرْطُ الله أَحقُّ» [خ¦٢١٥٥] قال الدَّاوديُّ: يحتَمِلُ قولُه ﴿فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥]، قال القاضي ، ويحتَمِلُ عندي-وهو الأظهَر- ما أعلَم به من حُكمِ الله «أنَّ الولاءَ لمن أعتقَ» [خ¦٢٥٦٥] وقيل: بل فُعِلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>