والإجْهارُ والمُجَاهَرةُ كلُّه صوابٌ، من الظُّهور والإعلانِ، يُقال: جهَر وأجْهَر بقولِه وقراءتِه إذا أعلنَ بها وأظهَرها؛ لأنَّه راجِعٌ لتفسيرِ قوله أوَّلاً:«إلَّا المجاهِرين».
وأمَّا:«المَجَانَة» فتَصحيفٌ من «المجاهَرة» -والله أعلم- وإن كان معناها لا يَبعُد هنا؛ لأنَّ الماجنَ هو الذي يستَهْتِر في أمورِه، وهو الذي لا يُبالي ما قال ولا ما قِيل له، وأمَّا «الإهْجار» فقولُ الفُحْش والخَنا وكثرةُ الكلام، وهو قريبٌ من معنَى المَجَانَةِ، يُقال: أهْجَر في كلامِه، والظَّاهِر أنَّه مصحَّفٌ من «الإجْهار» وإن كان معناه لا يَبعُد هنا أيضاً، وأمَّا «الهِجار» فبعيدٌ لفظاً ومعنًى، إنَّما «الهِجار» الحبلُ أو الوَتَر يُشَدُّ به يدُ البعير، أو الحلْقَة التي يُتَعلَّم فيها الطَّعنُ، ولا معنًى له يصحُّ ولا يخرَّجُ هنا.
وقوله في حديثِ الإفكِ في كتابِ الشَّهادات:«ولكنِ اجْتهَلَتْهُ الحَميَّةُ» كذا هو هاهنا في نُسخٍ من البخاريِّ بالهاء والجيم، ووقَع عند أكثرِ الرُّواة وفي غيرِ هذا الموضعِ منه:«احتمَلَتْه الحَميَّةُ»[خ¦٢٦٦١] بالحاءِ المهملة والميمِ، وهي روايتُنا عن شيوخِنا، وذكَره مسلمٌ في حديث صالحٍ:«احتمَلَتٍه»، وفي حديث فُليحٍ:«اجتهَلَتْه»، وكذا ذكَره في روايةِ يونُس:«احتمَلَتْه» بالميم كذا لشيوخِنا، وفي بعضِ النُّسخِ هنا:«اجتهَلَتْه»، وكذلك في روايةِ مَعْمَرٍ عن الزُّهريِّ في الحديث الطَّويل:«اجتهَلَتْه»، وعند ابنِ ماهانَ:«احتمَلَتْه»، وصوَّب الوقَّشِيُّ:«اجتهَلَتْه» وكلاهما صوابٌ، فمعنَى «احتمَلَتْه» أي: أغضَبَته، يُقال: احتمَل الرَّجل إذا غضِب، قاله يعقوب، ومعنَى «اجتهَلَتْه» مثلُه.
وقد قال ابنُ المبارك في تفسيرِ الحديث:«من استَجْهَل مُؤمناً فعليه إثمُه» يقول: مَنْ حمَله على شيءٍ ليس من خُلُقِه فيُغضِبه، وقد يكون من الجَهل الذي هو ضدُّ العلم؛ أي: حمَلتَه على ما قاله من قولِ الجاهلين وصيَّرتَه مثلَهم، كما قيل في المَثَل: نَزْوُ الفُرارِ اسْتَجْهل الفُرار؛ أي: حمَله على النَّزْوِ وفِعلِ ما لا يُعقَلُ مثل فعلِه، ومنه في الصَّوم:«فلا يرفُثْ ولا يَجهَلْ»[خ¦١٨٩٤] أي: لا يقُل قولَ أهلِ الجَهِل من سَفَه الكلامِ ورَفَثِه.
وقوله في حديث سَلَمةَ:«إنَّه لَجاهِدٌ مُجاهِدٌ»[خ¦٤١٩٦] كذا أكثرُ الرِّوايات بضمِّ الدَّالَين وتنوِينِهما وكسرِ الهاءَين وضمِّ الميم، وعند أبي ذرٍّ للحَمُّوييِّ والمستملي في كتاب الجهاد:«لجاهَدَ مَجاهِدَ» بفتحِ الهاء الأولى والدَّالين والميم، وكذا قيَّده أبو الوليد الباجيُّ، وكذا روايةُ ابنِ أبي جعفرٍ في «مسلم»، والأوَّل هو الوجهُ؛ أي: جاهِدٌ جادٌّ مبالغٌ في سُبُل الخيرِ والبِرِّ وإعلاءِ كلمةِ الإسلام، مجاهدٌ لأعدائِه، قال ابنُ دريد: جاهِدٌ؛ أي: جادٌّ في أمورِه، وتكريرُه هذَين اللَّفظين للمبالغَة