معنى لأَبَوا هاهنا، وصَوابُه ما عند النَّسفيِّ وابنِ السَّكنِ والهَمَذَانيِّ والهَروِيِّ:«فَتَابُوا فكَفَّلَهم»[خ¦٢٢٩٠] كما جاء في أمره بذلك أوَّلَ الحديثِ.
وفي قتلِ أُبَيِّ بنِ خَلفٍ:«ثمَّ أبَوا حتَّى يَتبَعُونا»[خ¦٢٣٠١] كذا للأَصِيليِّ بباءٍ بوَاحدةٍ، ولغَيرِه:«أتَوا» بتاءٍ مُثنَّاة فَوقِية، وكِلاهُما له وجهٌ.
وقوله:«إنَّا إذا صِيحَ بنا أبَينَا»[خ¦٤١٩٦] كذا روَاه الأَصيليُّ والسِّجزيُّ بباءٍ بواحِدةٍ، وروَاه غيرُهما:«أتَيْنا»[خ¦٦١٤٨] بتاءٍ باثنتَين فوقها، وكِلاهُما صحيحُ المعنَى؛ أي: إذا صِيحَ بنا لفزَعٍ أو حادثٍ، أو أجلَبَ علينا عدوُّنا أبَينا الفِرارَ والانهِزامَ وثبَتْنا كما تقدَّمَ، قال العجَّاجُ:
ثبْتٌ إذا ما صِيحَ بالقَومِ وَقَرْ
وعلى الرِّواية الأخرى: أتَينا الدَّاعيَ وأجَبناهُ، أو أقدَمْنا على عدوِّنا ولم يرُعْنا صياحُه، كما قال في الحديث الآخَرِ:«إذا سَمِعَ هَيْعَةً طارَ إِلَيْها»، وهذا أوْجَه؛ لأنَّ في بَقيَّة الرَّجَز:«وإنْ أَرادُوا فتنةً أَبَيْنا»[خ¦٤١٠٦]، وتكرارُ الكَلمةِ عن قُربٍ في الرَّجَز والشِّعر عيبٌ معلومٌ عندهم.
وفي هذا الرَّجزِ أيضًا:«إنَّ الأُلَى قد أبَوا علينا» كذا لأكثَرِ الرُّواة بباءٍ بواحدةٍ في حَديثِ مُسلمٍ عن ابنِ مُثنَّى، وعند الطَّبريِّ والباجيِّ:«قد بَغَوا علَينا» وهو أصَحُّ، وكذا جاء في غير هذه الرِّوايةِ في «الصَّحيحين»[خ¦٢٨٣٧]، ومعنى «أبَوا»؛ أي: قبُول ما دعَوناهم إليه من الإسْلامِ والهُدى، أو أبَوا إلَّا عَداوَةً لنا وتحزُّبًا علَينا.
وفي حَديثِ عبدِ الله بن أُبَيِّ بنِ سَلولٍ:«وعَزَمَ قومُهُ على تَتْوِيجِهِ، فلمَّا أبَى الله ذلكَ بالحقِّ الَّذي جِئتَ به»[خ¦٤٥٦٦] كذا هو بباءٍ بوَاحِدةٍ لكافَّة الرُّواةِ، وعند الأَصيليِّ:«أتَى الله بالحقِّ» بتاءٍ باثنَتَين فَوْقها، وكِلاهُما له وجهٌ، ومَعنَى الأوَّل: أبى اللهُ من تَقديمِه وإمضاءِ ما أرادَه قومُهُ من تَمليكِه بما قضاه من إسْلامِهم وبَعثِ نبيِّه ﷺ، وهو مَعنَى «أتى» في الرِّوايةِ الثَّانيةِ، ويعضُد توجيهَ الرِّوايةِ الأُولى قولُه في الحديثِ الآخرِ:«فلمَّا ردَّ الله ذلكَ بالحقِّ الَّذي أعطاكَ»[خ¦٦٢٠٧].