للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طبقَةً مِن عدَم ضَبطه لكتابه، وتشاغُلِه أثناءَ السَّماعِ بمُحادَثة جَليسِه، أو غير ذلك من أسبابه، وأكثرُهم يحضُر بغير كتابٍ، أو يشتَغِل بنَسْخِ غَيرِه، أو تراه مُنجَدلاً يغِطُّ في نَومِه، قد قنِعا معاً في الأخذ والتَّبليغ بسماع هينمةٍ لا يفهمان معنى خطابها، ولا يقفان على حقيقة خَطئها من صَوابها، ولا يُكَلَّمان إلَّا من وراء حِجابها، ورُبَّما حضَر المجلسَ الصَّبيُّ الَّذي لم يفهَم بعدُ عامَّة كلام أمِّه، ولا استَقلَّ بالميزِ والكَلامِ لما يَعنِيه من أمْرِه، فيَعتَقِدون سماعَه سماعاً، لاسيِّما إذا وفَّى أربَعَة أعوامٍ من عُمرِه، ويحتجُّون في ذلك بحَديثِ محمُود بنِ الرَّبيعِ، وقَولِه: «عقَلْتُ من النَّبيِّ مجَّةً مجَّها في وَجهِي وأنا ابنُ أربَعِ سنِينَ»، ورُوِيَ: «وأنا ابنُ خمسِ سنِينَ».

وليس في عَقلِه هذه المجَّةَ على عَقلِه لكلِّ شيءٍ حُجَّة، ثمَّ إذا أُكمِل سماعُ الكتاب على الشَّيخِ كتَب سماعَ هذا الصَّبيَّ في أصلِه، أو كتَبه له الشَّيخُ في كتابِ أبيه أو غيرِه؛ ليَشهد له ذلك بصحَّة السَّماع في مُستأنَف عُمرِه، وأكثرُ سماعاتِ النَّاس في عَصرِنا وكثيرٍ من الزَّمان قبلَه بهذا السَّبيل.

ولهذا ما حدَّثنا الشَّيخُ الفقيه أبو محمَّدٍ عبدُ الرَّحمن بنُ عتَّابٍ بلَفظِه وغيرُه عن الفقيه أبي عبدِ الله أبيه؛ أنَّه كان يقول: لا غنى في السَّماع عن الإجازة؛ لهذه العِلَل والمُسامَحة المُستَجازةِ.

وحدَّثنا أحمدُ بنُ محمَّدٍ الشَّيخُ الصَّالحُ عن الحافظِ أبي ذرٍّ الهرويِّ إجازةً، قال: حدَّثنا الوليدُ بنُ بَكرٍ المالكيُّ، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ محمَّدٍ أبو سَهلٍ العطَّارُ بالإسكَندَرِية، قال: كان أحمدُ بنُ مُيسَّر يقول: الإجازةُ عندي على وَجهِها خيرٌ وأقوى في النَّقولِ من السَّماعِ الرَّديءِ.

وهبْكَ صحَّ هذا كلُّه في مُراعاة صِدق الخبر، أين تحرِّي المرويِّ وتَعيِين المخبَر؟! لا جرمَ -بحسَب هذا الخلَل، وتظاهر هذه العِلل- ما كثُر في المُصنَّفات والكتُب التَّغيِيرُ والفسادُ، وشمَل ذلك في كثير من المتونِ والإسناد، وشاع التَّحريفُ وذاع التَّصحيفُ، وتعدَّى ذلك منثورَ الرِّوايات إلى مجمُوعها، وعمَّ أصولَ الدَّواوين مع فرُوعها، حتَّى اعتَنى صُبابةُ أهلِ الإتقان والعِلم-وقليلٌ ما هم- بإقامة أوَدِها ومُعاناة رمَدِها، فلم يستمرَّ على الكافَّة تغييرُها جملةً لما أخبَر عن عدُول

<<  <  ج: ص:  >  >>