للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

«فخَلَّفَنا -يعني النَّبيَّ فكنَّا آخرَ الأربعِ» حينَ فضَّلَ دُورَ الأنصارِ، معناه: ما فَسَّرَه به من كلامِه؛ أي: أخَّرَهم ولم يُقدِّمْهم، يُقال: خلَفَ فلانٌ فلاناً إذا جعلَه آخرَ النَّاسِ، والخَلَفُ ما صارَ عوضاً عن غيرِه ونُزِّلَ منزلتَه، ويُقال ذلك في الخيرِ والشَّرِّ، يقال: خَلَفُ صِدْقٍ وخَلَفُ سَوْءٍ، فأمَّا بسُكونِ اللَّامِ فلا يكونُ إلَّا في السَّوءِ، كما قال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ [الأعراف: ١٦٩]، وحكى الحربيُّ وبعضُ اللُّغويِّين السُّكونَ والفتحَ في الوجهَين، وجمعُه: خُلوفٌ، ومنه قوله: «وتخلُفُ من بعدِهم خُلوفٌ» ومنه سُمِّيَ الخليفةُ؛ لأنَّه يخلُفُ غيرَه ويقومُ مقامَه، وقيل أيضاً في الآيةِ: الخَلَفُ مَنْ يجيءُ بعدُ، وكلُّ قرنٍ خَلْفٌ، بالسُّكونِ.

وقوله: «إذا وعدَ أخْلفَ» [خ¦٣٣] أي: لم يَفِ إخلافاً، والاسمُ منه الخُلُفُ: بالضَّمِّ، وتُضَمُّ اللَّامُ وتُخفَّفُ أيضاً، قال أبو عُبيدٍ: والأصلُ الضَّمُّ، وفي خَبرِ جبريلَ: «والله؛ ما أخْلَفَني» أي: لم يفِ بوَعْدي، وأصلُه أنَّه فعل خُلْفاً من الفعلِ، والخَلْفُ: القولُ الرَّديءُ، ومنه: (سكَتَ ألْفاً ونطَقَ خَلْفاً).

وقوله في حديثِ السَّقيفةِ: «وخالَف عنَّا عليٌّ والزُّبَيرُ» [خ¦٦٨٣٠] بمعنى: تخلَّفَ عنَّا، وكذلك قولُه في الحديثِ: «إنَّ الأنصارَ خالَفُونا» ولم يكُنْ بعدُ ذِكْرُ أَحدٍ ولا اتِّفاقٌ، فيُعَدُّ خلافاً، إلَّا أن يُقالَ: إنَّ الأنصارَ خالَفُونا في طلبِ الأمرِ لأنفسِهم فيكونُ منَ الخِلافِ، ويكونُ ما ذُكِرَ عن عليٍّ والزُّبَيرِ ما آلَ إليه الأمرُ أوَّلاً من توقُّفِهما، ويكون: «عنَّا» هنا بمعنى: علَينا.

وقوله: «ثمَّ أُخالِفَ إلى رِجالٍ فأُحرِّقَ عليهم بيوتَهم» [خ¦٦٤٤] أي: آتِيَهم مِنْ خَلْفِهم، أو أُخالِفُ ما أظهرْتُ من فِعْلي في إقامةِ الصَّلاةِ وظنُّهم أنِّي فيها ومشتغِلٌ عنهم بها، فأخالِفُ ذلك إليهم وأُعاقِبُهم وآخُذُهم على غِرَّةٍ، وقد يكونُ «أُخَالِفَ» هنا بمعنى: أتخلَّف؛ أي: عن الصَّلاةِ لمعاقبتِهم.

وقوله: «فأخْلَفَني فجعَلَني عن يمينِه» معناه عندي: أجازَني مِنْ خَلفِه ووَراء ظهرِه؛ لئلَّا أقطَعَ صلاتَه، وكذلك قوله: «فأخلَفَ بيدِه فأخَذ بذَقَنِ الفَضْلِ» [خ¦٦٢٢٨] ويُقال: إنَّه من قولك: أخلَفَ بيدِه إلى سَيفِه؛ أي: عطَفَها.

قوله: «أو لَيُخالِفَنَّ الله بين وُجوهِكُم» [خ¦٧١٧] قيل: تُحوَّلُ إلى الأدبارِ، ويَحتملُ أنْ تخالَفَ بتَغيُّرِ صُورِها أنواعاً، ويَحتملُ أن يُغيِّرَ صورَها ويحوِّلَها عنها كما جاءَ في الحديثِ الآخرِ: «أن يحوِّلَ الله وجهَهُ وجهَ حِمارٍ».

<<  <  ج: ص:  >  >>