من خرج من المسجد وفي نيته الرجوع كمن أراد الوضوء، فهل تجب عليه تحية المسجد، أثابكم الله؟
الجواب
جماهير أهل العلم على أن من خرج من المسجد ولو خطوة واحدة يلزمه أن يصلي ركعتي التحية، وهذا القول هو الذي دلت عليه السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة:(إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين)، فقوله:(إذا دخل) يعيد ذلك، فإن الإنسان بمجرد خروجه من الباب ورجوعه ثانية يصدق عليه أنه دخل، وبناءً على ذلك يستوي أن يطول الزمان أو يقصر.
أما القول بأنه إذا كان في نيته أن يرجع فلا يصلي تحية المسجد فهذا القول محل نظر؛ لأنه ما من إنسان صلى فرضاً من الفروض إلا وفي نيته أن يرجع ليصلي الفرض الذي بعده، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابي:(قم فاركع ركعتين) وأمره أن يترك الاستماع للجمعة من أجل هاتين الركعتين لكونه دخل المسجد، ولم يقل له: هل كان في نيتك أن تعود إلى المسجد، أو لم يكن في نيتك؟ ثم إن التفصيل بأنه إذا قرب العهد كما لو ذهب ليتوضأ ورج لا يصلي، وإن طال العهد يصلي، تفصيل وتفريق بدون دليل؛ لأن الطول والقصر يحتاج إلى دليل باعتبار الأصل، والأصل لم يقم عليه دليل، فلا وجه للتفريق بين طول الزمان وقصره؛ لأنه استحسان، والاستحسان لا يعارض العموم، فإن عموم النص:(إذا دخل أحدكم المسجد) يلزم المكلف بأداء هذه الصلاة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم كل داخل إلى المسجد، وهذا القول لا شك أنه قول جماهير العلماء، وهو أولى بالصواب لدلالة السنة عليه.
وبعض العلماء يستثني النية، وهذا مذهب مبني على تغليب الباطن على الظاهر، فيقولون: في الظاهر أنه دخل، لكن كونه في نيته أن يعود فإنه في حكم الجالس في المسجد.
وهذا محل نظر؛ فإنه بخروجه عن المسجد لا يعطى حكم المصلي، فخرج عن كونه في المسجد أصلاً، ولذلك لو فعل الأفعال التي تخالف مقصود المسجد من بيع وشراء صح منه ذلك وأجزأه، ولا عتب عليه ولا ملامة؛ لأنه خارج عن كونه في المسجد، وتغليب الباطن على الظاهر لا يقع إلا في صور، وليست هذه الصور منها، أي: كونه في نيته أن يرجع، فهذا تغليب للباطن على الظاهر، ولا شك أن إعمال الظاهر الذي دلت عليه السنة أقوى وأولى.