قال -رحمه الله تعالى:[وهي التبرع بتمليك مالِه المعلومِ الموجودِ في حياته غيرَه] أي: الهبة والعطية.
قوله:[التبرع] وهو بذل الشيء للغير، والتبرع لا يكون إلا في الشيء الذي لا مقابل له، فخرج بهذا القيد البيع؛ لأن البيع ليس بتبرع، وإنما معاوضة، فيعطيه داره لقاء مائة ألف، أو يعطيه سيارته بعشرة آلاف، فهو لم يتبرع له، ولم يعطِها على سبيل الإحسان، وإنما أعطاه إياها على سبيل المعاوضة، وهذا النوع من العقود لا يدخل في الهبات والعطايا.
قوله:[بتمليك مالِه المعلومِ] هذا محل التبرع، تبرَّع بماله المعلوم على سبيل التمليك، فخرج ما إذا تبرع بمنفعته على سبيل العارية والقرض.
فالشخص -مثلاً- إذا أعطى مائة ألف ريال لرجل ديناً، فإنه تبرع له وتنازل له بإعطاء المبلغ مدةً معلومة، فهو لم يتنازل له بالإعطاء على سبيل التمليك، وإنما أعطاه ذلك على أساس أن يرد عوضاً عنه.
والعارية: لو أنه أعطاه ماله -كسيارة- وقال له: خذ هذه السيارة شهراً، أو إني مسافر وهذه سيارتي تبقى عندك أسبوعاً وأذنت لك أن تتصرف فيها أو تذهب بها.
فلا يدخل هذا في باب الهدايا والعطايا.
قوله:[الموجودِ] فخرج ما ليس بموجود، كأن يهبه ثمرة بستانه للسنة القادمة، أو يهبه ثمرة البستان سنين، أو يهبه ما تحمله هذه الدابة وليس فيها حمل، فهذه هبة لشيء غير موجود، فيشترط في صحة الهبة أن تكون في شيء موجود، والشيء الغير موجود لا تصح هبته.
قوله:[في حياته] خرج بما بعد الموت -كما ذكرنا- العطايا والوصايا.
قوله:[غيرَه] وهو الموهوب له: والغير هنا نكرة، يعني: يشمل كل ما عدا الإنسان الواهب، حتى ولو من ولده، فلو وهب بنته أو ابنه، فإنه داخل في الغير، ويشمل الصغير والكبير.
فالهبة تصح في هذا كله، والغير يعتبر طرفاً ثانياً عن الشخص نفسه.