للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تربية الأيتام وعظم أجرها]

السؤال

هل ينطبق على تربية الأيتام من حيث الأصول والتربية الكاملة ما ينطبق على تربية الأولاد أثابكم الله؟

الجواب

أما اليتيم فأمره عظيم جداً، الأيتام جنة ونار، ومن عال الأيتام وكفلهم واتقى الله فيهم فقد أفلح وأنجح، وأصاب خير الدنيا والآخرة، وكم أسعد الله أقواماً كفلوا الأيتام، حتى إن الله سبحانه وتعالى جعل لهم من عاجل البشرى في الحياة أن جعل حياتهم سعيدة، وجعل خاتمتهم طيبة حسنة، ولقد رأينا ذلك فيمن كان يعول الأيتام ويحسن إليهم.

وجدنا من لطف الله به ورحمته وإحسانه به الشيء الكثير، فكفالة الأيتام والإحسان إليهم جنة للعبد في الدنيا قبل الآخرة.

وأما عدم الرعاية لمشاعرهم، والتقصير أثناء تربيتهم فهذا خطر عظيم، وتربية الأيتام، دحضٌ فيه زلل كثير، ولذلك من يربي الأيتام ينبغي أن يكون على حذر شديد في التعامل معهم.

فإن اليتيم لا يجد من يكفكف دمعه، ولا يجد من يجبر كسره، فإذا قسا عليه من يعلمه تذكر أباً كريماً أن لو كان حياً ما عامله بهذه المعاملة، ولو قسا عليه معلمه نظر إلى ذلك المعلم مع ولده، فقل أن يؤذي أحد يتيماً ويكون عنده أولاد إلا راقبه اليتيم في أولاده، فإن رآه محسناً لولده اغرورقت عينه ودمعت؛ لأنه لا يتصور أن هذا المعلم يريد مصلحته.

فإذا كان المعلم ظالماً أو آثماً أو جائراً وكان الكافل شديداً، خاصة إذا كان اليتيم يعيش تحت كفالة عمه، أو خاله، أو نحو ذلك من أقربائه، فإذا أوذي أي أذية ولو كانت لسبب ورأى إحسان ذلك المؤذي إلى ولده تفطر قلبه بالحزن الذي لا يعلم قدره إلا الله.

ولذلك قال الله عز وجل: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} [الضحى:٩]، فقهر اليتيم أمره عظيم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، وقرن بين السبابة والتي تليها)، صلوات الله وسلامه عليه، وهذا يدل على علو درجته عند الله في الآخرة، لكن لابد أن تكون كفالة طيبة كاملة، وكفالة رحمة لا كفالة عذاب، وكفالة إحسان لا كفالة إساءة، وكفالة ود ورحمة وبر وإدخال سرور لا كفالة وحشة وضيق وعسر وتنكيد وتنغيص في العيش، فعلى كل من يعامل الأيتام عموماً أن ينتبه، حتى لو دخلت فصلك -لو كنت معلماً- فانتبه من اليتيم، فإنه أحوج ما يكون إلى إحسانك وبرك وعطفك، واجعل له ميزة على غيره، وهذا ليس من باب الظلم، وإنما من إنزال كل إنسان منزلته، وليس معنى ذلك أنك تفضله على غيره، لكن له شأن خاص، فالابن إذا آلمه مدرسه رجع إلى أبيه، فواساه وأحسن إليه وأنساه ما حصل له من إساءة، ولكن اليتيم يرجع إلى بيته بلا أب، وقد لا يجد أماً، وقد يرحم أمه حينما يراها في همها وغمها، فيصعب عليه أن يدخل عليها هماً إلى همها، أو غماً إلى غمها.

فلذلك من الرحمة ومن هدي الإسلام وسنن الإسلام: النظر إلى هؤلاء والإحسان إليهم، وأن يحاول كل معلم يحبُ الكتاب والسنة، ويلتزم بالشريعة التزاماً صادقاً أن يجعل لهؤلاء في قلبه وفي معاملته وفي إحسانه وبره أوفر حظ ونصيب، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وما أعظم جبر القلوب المنكسرة عند الله ثواباً، وما أحسن ما يكون لأهلها عاقبة ومآباً.

ومن أراد أن يجرب حسن العاقبة في الإحسان إلى القلوب المنكسرة والنفوس الضعيفة فليجرب ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة كالصائم الذي لا يفطر، والقائم الذي لا يفتر)؛ فجعله في هذه المنزلة العظيمة؛ لأن الأرملة لا أحد يعولها، وهي تحتاج إلى من يقوم عليها، فإذا نظر إلى أرملة من أرامل المسلمين، فأمست وأصبحت وهو يسعى عليها يقضي حوائجها وينفس بإذن الله كرباتها، ويدخل السرور عليها جعل الله ما كان منه من حسنات لا يعدل بصيام النهار ولا بقيام الليل.

وهذا يدل على عظم الأجر عند الله في جبر القلوب المنكسرة.

(وهل تنصرون إلا بضعفائكم)، فيحرص طلاب العلم والأخيار على النظر في تربية الأيتام، وإذا كان عندك في حلقة التحفيظ يتيماً فإنك تكرمه وتجله وتعامله معاملة خاصة، وتنظر إليه نظرة خاصة، وتؤويه إلى حنانك، وإلى برك وإحسانك، فإنك إن فعلت ذلك رحمت أموات المسلمين وخلفتهم في ذريتهم بخير، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياكم ذلك الرجل، وأن يفتح على أيدينا وعلى أيديكم أبواب الخير.

الخلاصة: أن اليتيم ينبغي على من يؤدبه ويعلمه أن يكون على حذر شديد، وأن يعامله معاملة خاصة؛ لأنه أضعف من غيره، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الضعيف أمير الركب) فينبغي مراقبة مشاعره.

ونسأل الله العظيم أن يسلمنا وأن يسلم منا، وأن يتوب علينا وأن يتجاوز عنا، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>