للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم التحول من بيت الزوجية في الحداد]

قال رحمه الله: [فإن تحولت خوفاً أو قهراً أو بحق انتقلت حيث شاءت].

(فإن تحولت) يعني: انتقلت من بيت الزوجية (خوفاً) مثل أن تكون مع زوجها في صحراء، ويخشى أن يأتيها من يؤذيها في عرضها، أو يأتيها السبع، فحينئذٍ يجوز لها أن تتحول، واختلف العلماء: هل إذا تحولت تنظر إلى أقرب مكان بالنسبة لبيت الزوجية، أم أنها إذا تحولت حل لها أي مكان؟ وجهان للعلماء: وفائدة هذا الخلاف: أننا إذا قلنا: تنظر أقرب مكان لو أن امرأة في ضاحية من ضواحي مكة، وخافت من البيت -مثلاً- فهي ضعيفة وفي مكان منفرد ليس فيه أحد، وكان معها زوجها يقوم عليها، ثم لما توفي عنها زوجها خافت، وخشي عليها ففي هذه الحالة إذا قلنا: تنتقل إلى أقرب مكان فإنها تنتقل إلى مكة، ويلزمها أن تحد في مكة على القول بأنها تنتقل إلى أقرب مكان؛ لأنه إذا تركت هذا المكان فينظر إلى أقرب مكان يمكن أن تحتد فيه.

ومنهم من قال: تخير، فيجوز لها أن تنتقل إلى أي مكان، وهذه المسألة لها نظائر: منها: إذا قلنا: إن الزكاة تختص بالموضع الذي فيه المال، فهل إذا لم يجد فقيراً في المكان الذي فيه المال هل ينتقل إلى أقرب مكان إليه أم أنه يخير في جميع الأمكنة؟ هذه المسألة لها قاعدة عند العلماء رحمهم الله، والذي اختاره بعض العلماء أنه إذا قويت الشبهة من أن مقصود الشرع القرب نظر إلى الأقرب، وأما إذا كان الأمر على الإطلاق فإنه إذا تخلف المقيد حل للمكلف أن ينتقل إلى الكل على حد سواء، وبناء على هذا فإنه يقوى هنا أن يقال: إنها تنتقل إلى أي مكان سواء كان قريباً من بيت الزوجية أو بعيداً، مثلاً: لو كان عندها قريب قريب من الموضع الذي توفي فيه زوجها، وقريب في موضع آخر بعيد، فإنه يجوز أن تنتقل إلى البعيد، ويجوز لها أن تنتقل إلى القريب على حد سواء، ولا تلزم بواحد منهم.

(أو قهراً).

أن تقهر بالقوة والكره، يقال لها: لا تجلسي في هذا البيت، ويقع بعض الأحيان -نسأل السلامة والعافية- كأن يكون هناك شحناء، وتكون امرأة تزوجها رجل وهي ليست بقريبة، وجاءت إلى أقرباء الزوج فغاروا منها -وهذا الكلام يقع مع اختلاف البيئات والأعراف والتقاليد- فإذا توفي الزوج الذي كان يحفظها تسلط عليها أهل زوجها فقهروها وأجبروها بالقوة أن تخرج من بيت الزوجية، وقالوا: نريد أن نبيع البيت، ونريد أن نتصرف في البيت ويخرجونها.

فإذا غلبت بقوة وقهر وأكرهت على الخروج، فإن الإكراه يسقط التكليف؛ لأن الله تعالى يقول: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:١٠٦] فأسقط الله بالإكراه الردة وهي أعظم شيء، فمن باب أولى أن يسقط ما دونه مثل الحداد.

(أو بحق).

مثل أن تحتد في بيت ليس لزوجها، وإنما قال له شخص: هذا البيت اسكنه ما دمت حياً، فجاء وسكن في البيت، وسكنت معه زوجته ثم توفي، فالزوجة في البيت، والرجل يريد بيته، والبيت ليس ببيت الزوج، فحينئذٍ تخرج من البيت بحق؛ لأن البيت بيته له الحق أن يخرجها، وله الحق أن يبقيها، فإن أبقاها ففضل وكرم، وإن أخرجها فماله وحقه، وما على المحسنين من سبيل.

وهكذا لو انتهت الأجرة، كما لو كان مستأجراً فمكثت شهراً، ثم انتهت الإجارة، فقال صاحب البيت: اخرجي؛ فإنها تخرج.

(انتقلت حيث شاءت).

أي: أنها لا تنظر إلى أقرب مكان للبيت الذي جاءها فيها النعي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>