قال رحمه الله:[فإن انتقل بغير عوضٍ أو كان عوضه صداقاً أو خلعاً أو صلحاً عن دم عمدٍ فلا شفعة] يقول المصنف: (فإن انتقل) أي: نصيب الشريك (بغير عوضٍ) هذه المسألة متعلقة بشرط المعاوضة في نصيب الشريك، فلا تصح ولا تقع الشفعة إذا انتقل نصيب الشريك بدون عوض أو كان عوضاً عن خلعٍ أو كان عوضاً عن بضعٍ كما في المهر صداقاً لامرأة فإنه في هذه الحالة لا يستحق الشريك الانتزاع إذا انتقل بغير عوض أو هبة، كما لو قال: وهبت نصيبي لابني أو وهبت نصيبي لأخي، أو وهبت نصيبي من الشركة في الأرض الفلانية لفلان بن فلان صديقي، فإنه في هذه الحالة لا تثبت الشفعة؛ لأن الشفعة أصلاً ثبتت بصورة خاصة وهي التي تكون فيها المعاوضة بنفس الثمن، ولذلك في هذه الحالة يكون الضرر أخف مما لو إذا كانت في المعاوضة.
وبعض العلماء يقول: إذا لم تكن بعوض فهذا مستثنى بالإجماع، ويشمل ذلك الإرث كما لو انتقلت إرثاً، فالورثة إذا ملكوا عن أبيهم أو ورثوا من أبيهم نصيبه في أرضٍ أو عقار فإنه لا شفعة للشريك، فلا يأتي الشريك ويقول: أنا شافع؛ لأنه في هذه الحالة يشفع بماذا؟ ما هو الثمن الذي سيدفعه في مقابل هذا النصيب؟ لأنه لم يبع صاحبه، ولذلك لا تقع الشفعة بغير عوض.
قال:[أو كان عوضه صداقاً] أو كان عوضه -النصيب- صداقاً، كرجل شاركك في أرضٍ مناصفة ثم تزوج امرأةً وقال لها: نصيبي من الأرض الفلانية أو نصيبي من المخطط الفلاني صداقاً لكِ فرضيت به؛ فإنه حينئذٍ يكون قد انتقل نصيبه إلى المرأة ولكن عن طريق الصداق فلا تثبت الشفعة فيه.
قال:[أو خلعاً].
كذلك لو كانت المرأة تملك نصفاً في أرضٍ، ثم أرادت أن تخالع زوجها -وقد تقدم معنا باب الخلع وبينا فيه أن من حق المرأة أن تخالع زوجها- بنصيبٍ يعادل المهر، فقالت: أنت مهرك عشرة آلاف ريال وأرضي الفلانية أملك نصفها تعادل عشرة آلاف ريال أعطيك هذا النصيب عوضاً عن مهرك وتخالعني، فرضي بذلك، فإنه حينئذٍ لا يكون من حق الشريك أن يشفع.
قال:[أو صلحاً عن دم عمدٍ فلا شفعة] كرجلٍ -والعياذ بالله- قتل رجلاً وأرادوا أن يصطلحوا فللعلماء في هذه المسألة وجهان ذكرناهما في باب الصلح، فهل من حق أولياء المقتول أن يطالبوا بأكثر من الدية أو ليس من حقهم؟ فالأصل الشرعي يقتضي أنه ليس من حق الورثة أن يطالبوا بأكثر من الدية؛ لأن الله سبحانه وتعالى قدر المقادير وحد الحدود وجعل هذه الدية مائة من الإبل عدلاً لرقبة المسلم، فإذا أرادوا أن يقتلوا القاتل طالبوا بحقهم بالقصاص، وإذا تنازلوا عن القصاص وجب عليهم أن يرضوا بالدية التي حكم الله عز وجل بها ورسوله عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا لا يزاد عليها ولا ينقص منها، وقلنا: هذا هو الأشبه بالسنة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأوفق للأصول.
فلو اصطلحوا وقلنا بجواز أن تعطى الزيادة على الدية من باب الصلح لا من باب أنها دية، وهذا مخرج بعض الفقهاء، وهو في الحقيقة لا يخلو من نظر، لكن لو قلنا بهذا القول فالبعض يبالغ، فقد يطالب أولياء المقتول بمليون ريال كدية صلح، بل بعض الأحيان بلغ ببعضهم أن يطالب بعشرة ملايين، فهذا يخالف النص والأصل الشرعي، أليس الله عز وجل جعل عدل هذه الرقبة وما يكون مقابلاً لها بهذا القدر؟ فإذاً: يجب أن نقف عند هذا القدر ونقول: ما حده الله عز وجل وقدره ينبغي الوقوف عنده، لا يزاد عليه ولا ينقص منه، فهذا هو حكم الله وهذه حدوده لا نعتدي بالزيادة عليها بالمطالبة بما هو أكثر؛ لأنه لو قيل: من حقهم أن يطالبوا بأكثر فمعناه أن الرقبة لا تعادل مائة ألف، ومعناه أن الله سبحانه وتعالى لم يعط أولياء المقتول حقهم في رقبة وليهم.
فلما جعل الله عز وجل عدل الرقبة مائة ألف، وسن ذلك مائةً من الإبل بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وثبت، فإننا ننظر إلى عدلها من القيمة، لا يزاد على ذلك ولا ينقص منه؛ لأنه من شرع الله عز وجل المحكم الذي لا نسخ فيه، وعلى هذا لو اصطلحوا عند الحاكم سواءً كان بالزيادة أو نفس الدية فقال مثلاً: مائة من الإبل تعادل مائة ألف، فأعطيك أرضي الفلانية لي فيها النصف أو ثلاثة أرباعها، أعطيك هذا القدر الذي يساوي المائة ألف وتتنازل عن دم وليك، قال: قبلت، فحينئذٍ صار صلحاً عن دم عمدٍ، بعض العلماء يرى أنه في هذه الحالة ولو زاد عن الدية أنه لا شفعة للشريك؛ لأن الانتقال لم يكن على سبيل المعاوضة.
وفي الحقيقة هذه المسائل فيها إشكال من حيث أن الشفعة في الأصل شرعت لدفع الضرر، والضرر سيقع بدخول هذا الأجنبي فلا فرق بين كونه داخل بالبيع أو داخل بصلح العمد أو داخل بسبب آخر، ولذلك في الحقيقة لا يخلو قول بعض العلماء من نظر باعتبار السبب الذي ذكرناه من أن الشفعة شرعت لدفع الضرر، فلا يخلو من نظر من هذا الوجه.