[ما يشترط في المقذوف]
قال المصنف رحمه الله: [والمحصن هنا: الحر].
أي: في باب القذف، فلا بد أن يكون المقذوف حراً كاملاً، فإذا كان رقيقاً فإن نقص الرق يؤثر، وجماهير السلف والخلف أن قذف العبيد فيه التعزير، وليس فيه الحد، ولهذا أصل؛ لأن أصل الرق الكفر، ومن هنا لم يسوِ الشرع بين المسلم والكافر، وإن كان الرقيق قد يسلم، لكن هذا في الأصل ناقص.
ومن هنا اطردت أحكام الشريعة في التفريق بين المسلم والكافر، فإذا قذف عبداً فإنه لا يقام عليه الحد كاملاً، خلافاً لمن شذ، وقول جماهير السلف والخلف رحمهم الله أن فيه التعزير، والدليل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور:٤]، والإحصان: يطلق بمعنى الحرية، وهذا تقييد للحكم بالعقوبة، ومن هنا فهم جماهير السلف والخلف من الآية أن الإحصان يشمل الحرية، وأنه لا إحصان بدون حرية.
قال المصنف رحمه الله: [المسلم العاقل].
(المسلم) فلو قذف الكافر فإنه يعزر، (العاقل) فلو قذف المجنون فإنه يعزر؛ لأن المجنون -أولاً- لا يستطيع أن يطالب بحقه، وثانياً: لوجود النقص فيه، وظن السلامة في الاعتداء على عرضه ليس كالعاقل؛ لأن المجنون قد يتأتى منه هذا ولا يضمن نفسه ولا يملك نفسه، ومن هنا نقص عن العاقل الذي يلتزم بشريعة الإسلام وهو على دينه واستقامته، فالمجنون لا يؤمن أن يقع منه الزنا وهو لا يدري، ولا يستطيع أن ينفي عن نفسه ذلك؛ لأنه مجنون ليس عنده عقل، ولذلك يعزر قاذفه، ولا يحكم بجلده الحد.
قال المصنف رحمه الله: [العفيف].
فلو قذف زانياً وقال له: يا زان، فقد أصاب قوله الواقع؛ لأنه قد زنى، وحينئذ ليس بقاذف، وبعض العلماء يرى التفريق في هذا بين من أقيم عليه الحد وتاب، وبين من لم يقم عليه، ولكن حتى لو أقيم عليه الحد وتاب، وقيل له: لم قلت له: زان؟ قال: قصدت ما كان منه في السابق، فهذا يعتبر وصفاً وليس بتهمة بالزنا، ومن هنا فرق بين من يصفه بالزنا وكان قد وقع منه زنا وبين الذي هو عفيف لم يقع منه فحش.
قال المصنف رحمه الله: [الملتزم].
الملتزم بشرائع الإسلام، ومن هنا يخرج الحربي فإنه لا حرمة له، واختلف في الذمي، وإن كان شرط الإسلام في الأول قد تضمن مفهومه إخراج الذمي وإخراج الكافر عموماً، وعلى هذا لو قال لحربي: يا زانٍ، أو قذف حربيةً أو قال عن أهل الحرب: إنهم زناة، أو نحو ذلك من عبارات القذف، فإنه لا يقام عليه الحد، ولكن في الذمي خلاف: فبعض أهل العلم يرى أن الذمي له حرمة المسلم، فقد حرم ماله وعرضه فلا يجوز أن يعتدى عليه؛ لأن له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، وبعض العلماء يرى أنه لا يأخذ حكم المسلم، وقاذفه يعزر ويؤدب.
القول الأول: أسقط الحد لوجود الشبهة، وهو مذهب قوي، والقول الثاني: راعى الأصل في حرمة الذمي، ولكن هل هي مساوية للمسلمين من كل وجه؟ قال المصنف رحمه الله: [الذي يجامع مثله].
أي: الذي يتأتى منه الجماع، والسبب في هذا أن القذف تهمة، فإذا قال لصبي لا يتأتى منه الجماع: يا زانٍ، علم الناس كذبه، وحينئذ لا يحصل ضرر على الصبي كضرره عليه إذا كان بالغاً، قالوا: إذا قذف من لا يتأتى منه الجماع؛ سقط الحد عنه، وهذا لا ينفي أنه يعزر، بل إنه يعزر، ولكن القضية هل يقام عليه الحد أو لا يقام عليه الحد؟ وهذا إذا كان لا يتأتى من مثله الجماع، أو لا يجامع مثله، كما لو كان صغيراً لا يتأتى منه الجماع.
ومن كان مجبوب الذكر هل يكون قذفه قذفاً؟ على وجهين عند العلماء رحمهم الله: فمن أهل العلم من قال: قاذف المجبوب يقام عليه الحد، واحتجوا بعموم الآية الكريمة، ولكن في الحقيقة إذا سقط القول، وظهر الدليل على كذب القاذف، ووجدت الشبهة؛ قوي القول الذي يقول: بإسقاط الحد عن القاذف، وهذا ما كان يرجحه بعض مشايخنا رحمة الله عليهم، وهو أنه إذا وجد ما يدل على كذب القاذف، وظهرت الدلالة على كذبه، كما لو قذف صغيراً لا يتأتى منه الجماع، أو المجبوب الذي عرف جبه؛ فإنه توجد شبهة تسقط عنه الحد، وكان بعض العلماء يقول: إن قاذف المجبوب يقام عليه الحد لاحتمال أن يقصد أنه زنى قبل جب ذكره، وقبل قطع عضوه، وهذا لا شك أنه يقوي مذهب من يقول بوقوع الحد، ولكن الشبهة لا تزال قائمة، إلا إذا فصل في تهمته له بالزنا على وجه تندرئ به الشبهة فيجب عليه الحد.
قال المصنف رحمه الله: [ولا يشترط بلوغه].
فالصبي قد يجامع قبل البلوغ، فإذا تأتى منه أن يجامع؛ تأتى وصفه بالزنا لاحتمال أن يقع منه الزنا، فلا يشترط أن يكون بالغاً.