إذا غلب على ظن الوالد أن أبناءه سيصرفون الإرث فيما لا يُرضي الله، فهل له أن يوصي بأكثر من الثلث؟
الجواب
باب الوصية باب عظيم، وفيه أمور مهمة جداً، والناس مأمورون بشرائع هي سنن الهدى، قد دلَّت عليها نصوص الكتاب والسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما عليهم إلا أن يلتزموها، ويسيروا على نهجها، ويتركوا الأمور إلى الله سبحانه وتعالى، فالله جل وعلا أمر من يوصِي ألا يتجاوز هذا الحد، وعليه أن يلتزم بذلك وألا يجتهد، وما يدريه فلعل هؤلاء الذين ينظر إليهم أنهم فاسدون أن يكونوا من خيار عباد الله الصالحين بعد موته، فكم من أناس كانوا على ضلال ثم اهتدوا بعد موت والدهم أو بعد موت والدتهم! وكم من أناس فُجِعوا بموت الأقرباء فأصبحوا من الأخيار والسعداء:{فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[النساء:١٩] قالوا: ومن هذا أن تأتي المصيبة لعبدٍ فيقلب الله حاله من حال الشقاء إلى حال السعداء، وهذه رحمة من الله سبحانه وتعالى يتدارك بها عبده.
وقد ترى الرجل كأسوأ ما أنت راءٍ في عقوق الوالدين وقطيعة الرحم، فما أن يموت والده حتى يتفطر قلبه ويكون من أرحم أولاده به بعد موته، وقد يكون الولد من أبرّ الناس بوالده في حال حياته، ثم يفتح الله عليه الدنيا بعد موت أبيه، أو يفتح الله عليه من الفتن فينشغل بأولاده وزوجته، حتى إنه لربما مر عليه اليوم والأسبوع وربما الشهر لا يذكر والده برحمة أو دعوة إلا قليلاً، مع أنه كان من أبر الناس بوالده في حياته.
فالأمور لا يعملها إلا الله سبحانه وتعالى، فالله وحده هو المطلع على السرائر وعلى الضمائر، وهو الذي قدر كل شيء وفصله:{وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا}[الإسراء:١٢]، فمسألة أن الإنسان يرى أولاده عصاةً اليوم؛ فيريد أن يوصي بالمال كله حتى لا يعصوا الله تعالى به، فهذه أمور منوطة بالغيب، ولذلك فما عليه إلا أن يلتزم الأصل الشرعي، وهو الالتزام بالثلث، وما زاد على الثلث فلا يجاوزه؛ التزاماً بالشرع، وتسليماً لحكم الله سبحانه وتعالى، والله تعالى أعلم.