العبد إذا سرق من مال سيده له صورتان: - الصورة الأولى: أن يحوجه السيد ويلجئه إلى السرقة، فمثلاً: يمنع عنه طعامه ويمنع عنه شرابه، فيعتدي العبد على مال السيد ويسرق منه، فهذا سبب يعتبره العلماء موجباً لسقوط الحد، وأُثر عن عمر بن الخطاب رضي الله: أن غلماناً -أي: عبيداً- كانوا لـ حاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة ونحروها ثم أكلوها، فرفعهم حاطب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأراد منه أن يقطع أيديهم بالسرقة، ثم سأل عمر رضي الله عنه فوجد أن حاطباً رضي الله عنه كان مقصراً معهم في الإطعام، فقال:(أراك قد أحوجتهم بالسرقة) وأسقط القطع عنهم.
ومن هنا منع القطع في زمان المجاعة؛ لأنه إذا حصل الجوع والضيق بالناس، واضطر السارق للسرقة أو أن امرأة -مثلاً- ترملت وما عندها أحد يعول عليها ثم التجأت للسرقة وهي مضطرة إلى ذلك، فهذه الأحوال تستثنى، وهكذا مسألة العبد مع سيده: إذا كان السيد ظالماً للعبد لا ينفق عليه ولا يطعمه، وحبسه ومنعه حقه، فسرق العبد من مال سيده، فلا إشكال في سقوط الحد عنه.
- الصورة الثانية: أن يكون أخذه على غير وجه ضرورة، فالأصل في هذه المسألة يدل على أن العبد من مال السيد، ولذلك جاء في أثر ابن مسعود رضي الله عنه لما رفع إليه سرقة العبد من مال سيده قال:(مالكم سرق بعضه بعضاً)، فالمملوك إذا سرق من مال سيده يحكم بكونه من المال ويسقط الحد، وهذا فيه قضاء الصحابة رضوان الله عليهم، وقضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقضاء عبد الله بن مسعود، ولا يعرف لهم مخالف، ولهذا اعتد بسقوط الحد إذا سرق العبد من مال سيده، خاصة وأن العبد له حق في هذا المال.
وأما سرقة السيد من مال عبده، فمن المعلوم أن السيد يملك العبد وما ملك، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:(من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع) فهذا يدل على أن العبد ليس له يد على ماله، وأن للسيد ماله، ومن هنا سقط الحد لوجود الشبهة.
وهذه الصور التي ذكرها رحمه الله تسمى صور الشبهة في الملك، فالأولى -وهي صورة الوالدين- شبهة البعضية، والعبد في مال سيده شبهة الملك، وسيذكر لها صوراً أيضاً في صورة السيد مع عبده، والعبد مع سيده شبهة الملك، والشريك مع شريكه، والفقير من بيت مال المسلمين، فكل هذه من صور شبهة الملك.
قال رحمه الله:[أو سيد من مال مكاتبه]: هذا على القول بأن المكاتب عبد حتى يؤدي أنجم الكتابة، وهذا هو الأصل أنه إذا عجز عن أنجم الكتابة رجع عليه الرق.