[من شروط صحة البيع: ملكية البائع والمشتري أو من في مقامهما]
قال رحمه الله: [وأن يكون من مالك أو من يقوم مقامه].
هذا هو الشرط الرابع لصحة البيع: فقوله: (وأن يكون من مالك)، أي: أن يصدر البيع والشراء من مالك، وهذا يشمل الثمن والمثمن البائع والمشتري، فلابد أن يقع البيع والإيجاب والقبول من شخص مالك، بمعنى: أن الشيء الذي يبيعه ملكٌ له أو مأذونٌ له بالتصرف فيه الإذن الشرعي، والإذن الشرعي يشمل: الولاية العامة، والولاية الخاصة، فالولاية الخاصة من الشخص نفسه؛ كالوكيل والوصي، والولاية العامة كالقاضي إذا باع مال السفيه ومال اليتيم ونحو ذلك.
إذاً: يُشترط في صحة البيع أن يكون من يبيع مالكاً، فيشترط أن يكون مالكاً للمال الذي يدفعه لك، أو أُذن له بدفعه والتصرف فيه، ويشترط إذا أعطاك سيارة أو أعطاك داراً أو أعطاك أرضاً أن يكون مالكاً للسيارة والدار والأرض؛ لأنه إذا باعك شيئاً لا يملكه فإنه يكون حينئذٍ قد تصرف في شيء ليس من حقه أن يتصرف فيه، فيكون إيجابه وقبوله وجوده وعدمه على حد سواء؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء:٢٩]، وقوله: (بِالْبَاطِلِ) أي: بدون وجه حق، والذي يبيع مال أخيه المسلم بدون إذنه وبدون إذن من الشرع، فإنه قد باع المال بالباطل، وإذا أخذ في مقابله مالاً فقد أخذه بالباطل؛ لأنه بغير وجه حق.
وقال الله عز وجل: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:٢٩]، فاعتبر رضا المالك الحقيقي، فدلَّ على أنه إذا لم يرض ولم يكن البيع منه أو بإذنه فإنه لا يصحُّ البيع، ووجوده وعدمه على حد سواء، وترجع السلعة إلى مالكها الحقيقي، فلو أن شخصاً أخذ سيارتك ليذهب بها إلى مكان فباعها، أو أجرته دارك فباع الدار، أو بعته ثمرة المزرعة فباع المزرعة، فالبيع في جميع هذه الصور باطل، وهكذا لو اغتصب مال أخيه المسلم ثم باعه فإن المال سحت، وإذا اطلع القاضي على هذا فإنه ينقض البيع ويرد المال إلى صاحبه، ويرد الأرض أو غيرها إلى مالكها الحقيقي.
وقوله: [أو من يقوم مقامه]، أي: مقام المالك، ويشمل هذا من يقوم مقامه بالوكالة، فمثلاً: إذا أذنت لشخص أن يبيع سيارتك فهو وكيل.
والوكيل ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: وكيل مطلق.
القسم الثاني: وكيل مقيد.
فالقسم الأول -وهو الوكيل المطلق- يكون مطلقاً إمّا في الثمن، وإما المثمن، وإما فيهما معاً، فمثلاً: إذا قلت لشخص: بع السيارة بمعرفتك أو بخبرتك، فقد جعلته وكيلاً مطلقاً يبيعها على حسب خبرته ونظره ومعرفته، فيكون مطلق التصرف لكن في حدود معرفته وخبرته، أو أن تقول له: بعها كيفما شئت، وبعها بما شئت، فقولك له: (بما شئت) هذا إطلاق في الثمن، أي: بأي ثمن شئت غالياً كان أو رخيصاً، وهذا يسمونه: الإذن بالثمن المطلق، أو الإذن بالبيع المطلق، وقولك له: بِعْ من مالي ما شئت، فلو باع السيارات لصحَّ البيع، ولو باع الأرض لصحَّ البيع، ولو باع الأقلام أو الكتب أو الملابس إلخ لصحَّ البيع؛ لأنك أطلقت له الإذن في المبيع، وأطلقت أيضاً في الصورة الأولى الإذن في الثمن، فإمّا أن تكون الوكالة مطلقة في الثمن، أو مطلقة في المثمن، أو فيهما معاً من البائع والمشتري.
القسم الثاني: أن تكون الوكالة مقيدة، فتقيد الثمن، كأن تقول له: بِعْ هذه السيارة بعشرة آلاف ريال، فإمّا أن تقيد بمبلغ معين، أو تقيد بعرف معين، كأن تقول: بعها بسعر اليوم، فإذا قلت: بعها بسعر اليوم، فإنه لو باعها دون سعر اليوم بطل البيع، وليس من حقه أن يبيعها دون سعر اليوم، وهكذا لو قلت له: بعها بالمعروف، أي: على حسب العرف، فباعها بأقل مما يباع به مثلها، فإنه لا يصحَّ البيع.
إذاً: هذا هو الوكيل المطلق والوكيل المقيد.
كذلك أيضاً الولي يكون وصياً على يتيم، فمثلاً: رجل مات وترك ليتيمه مائة ألف، فإن اليتيم ليس له حق التصرف في ماله؛ لكن القاضي يقيم شخصاً ينظر في مصلحة هذا اليتيم، ويسمى: الولي، أو: ولي اليتيم، أو أن يكون والده قبل موته كتب وصيته أو وصى أشخاصاً وقال: فلان وصي على أيتامي، فحينئذٍ له حق النظر في أموال هؤلاء اليتامى، فيبيع ويشتري في حدود المصلحة.
هذا بالنسبة للمأذون له بالتصرف في المال، ويدخل في هذا إذا أذن السيد لعبده، فإن العبد لا يملك، وكذلك إذا أذن الولي للصبي أن يبيع بمالٍ معين أو بطريقة معينة، المهم: أن يكون البائع والمشتري مالكاً، أو يكون مأذوناً له بالتصرف بولاية عامة كالقاضي، أو بولاية خاصة كولي الأيتام ومن يقوم عليهم، أو الوصي عليهم.