قال رحمه الله:[فإن رضيت الكبيرة مجبوباً أو عنيناً لم تمنع بل من مجنون ومجذوم وأبرص] قوله: [فإن رضيت الكبيرة مجبوباً] لأنه ليس النكاح فقط للجماع، كما ذكرنا أن من النساء من تنظر في النكاح إلى شيء غير الجماع، فإذا رضيت مجبوباً فإن لها ذلك، ويزوجها وليها مادام أنها رضيت به، كما لو تزوجت كبير سن لا يجامع فإن هذا يرجع إليها، فإنها قد تريد خدمته، وقد تريد الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى، وقد تريد رجلاً يحميها من الاعتداء عليها، فهناك مقاصد كثيرة، فليس النكاح فقط موقوفاً على الجماع، ومن عموم الشريعة أنها ليست مقصورة على جوانب معينة، فميزة الحكم الشرعي أنه تنزيل من حكيم عليم، والتشريع عندما يكون من عليم يحيط بالأمور كلها ما كان وما يكون وما لم يكن فإن حكمه سيكون لما كان ولما يكون ولما لم يكن، فيأتي الحكم شمولياً، بينما القوانين الوضعية إنما وضعت لأحوال، ثم إذا جدت أحوال صار هذا الحكم لا يصلح لهذه الحالة، فتحتاج أن تجدد شيئاً جديداً فتضطرب مع الأزمنة وتختلف مع الأزمنة والأمكنة، لكن الشريعة لا.
ولما كان فقه العلماء مبنياً على فقه الكتاب والسنة صار عندهم شيء من الشمول في النظرة والشمول في الاستيعاب، ومثل ما ذكرنا أنه ما ينظر فقط إلا أن المرأة تريد نكاحاً وجماعاً وأن الرجل يريد فقط جماعاً ونكاحاً، فنقف عند العيوب فقط ونقول: إذا كان ليس هناك جماع فليس هناك مصلحة وعليه فليس هناك نكاح، لا.
بل هناك مقاصد عظيمة وهناك مقاصد شرعية، وهناك مقاصد تتبع النكاح، فالمرأة قد تتزوج الرجل وهي في بيئة لا تجد أحداً يخطبها لكن تريد رجلاً يحميها من الذئاب، ويحميها ممن يعتدي عليها فتقول: أنا أرضى فلاناً وإن كان مجبوباً؛ لأنه شجاع.
وقد تكون المرأة مثلاً بها عيب، فقد يكون الرجل مجبوباً وتكون هي رتقاء فترضى بهذا، فأياً ما كان ليس هناك إلزام للمرأة أنها لا تتزوج من كان معيباً، بل كل منهما يتزوج ولا بأس بذلك ولا حرج إذا حصل الرضا.
قال:[أو عنيناً] إذا كان عنيناً وقالت: أرضى به، فإنها إذا كانت كبيرة عاقلة تنظر مصلحتها وهي أعلم بحالها، فلا يجوز لوليها أن يمنعها.
قال:[بل من مجنونٍ] لخوف الضرر عليها؛ لأن المجنون يضرها.
قال:[ومجذومٍ] لأن هذا سينقل إليها العدوى.
قال:[وأبرص] لأن الحق لذريتها وأولادها، فإذا امتنع أولياؤها من تزويجها كان من حقهم، لكن لو أنها هي برصاء وجاء أبرص ينكحها وخاف وليها أنه ما أحد يتزوجها ورضيت فإنه لا بأس ولا حرج.