قال رحمه الله:[وإن خالعها بغير عوض أو بمحرَّم لم يصح] قوله: (بغير عوض) كأن يقول: خالَعْتُكِ، ولا يأخذ منها شيئاً من مهرها أو فديةً لذلك الخُلع فإنه لا يصح؛ لأن الخلع مبنيٌ على المعاوضة، وقالوا: إنه خارجٌ عن الأصل، فيتقيد جوازه بصورة الأصل؛ لأن الأصل بقاء العقد واستدامته، ولا يرفع إلا بالطلاق، وإذا كان هذا الأصل فقد جاء بالخُلع على صورةٍ معينة وهي: وجود الفدية والعوض؛ فإن خالَعها بدون عوض فقد خرج عن المشروع، وأصبح الخُلع غير صحيح من هذا الوجه، فلا بد من وجود العوض.
قوله:(أو بمحرم) قلنا: إن العلماء من عادتهم في المتون أنَّهم يذكرون الشبيه والنظير بعد نظيره وشبيهه؛ فإن خالعها بغير عوضٍ لا يقع الخلع، كذلك إن خالعها بشيءٍ محرم؛ فإن الشيء المحرَّم وجوده وعدمه في حكم الشرع سواء، فلو خالَعها بخمرٍ أو ميتةٍ أو خنزيرٍ أو أصنامٍ؛ فإنه لا يصح الخلع إلا بعوضٍ مباح.
والحنابلة عندهم أن الخلع يكون بلفظ الخلع، ويكون بلفظ الطلاق، فلو قالت له: خالِعني بدون عوضٍ، وقبل ذلك وطلَّقها وقع طلاقاً ولم يقع خُلعاً؛ لأنه طلَّق ومضى عليه طلاقه، وقد رضي فراق امرأته بدون عِوض، فانتقل الحكم من الخلع إلى الطلاق وأخذ حكم الطلاق.
قال رحمه الله:[ويقع الطلاق رجعياً إن كان بلفظ الطلاق أو نيته] أي: إن كان الخلع بلفظ الطلاق، أو خالعها وهو ينوي طلاقها؛ كما لو قال لها: خالَعْتُك، ناوياً الطلاق، فحينئذٍ ينتقل لفظ (خَالعْتُك) إلى كناية الطلاق؛ لأن الطلاق له صريحٌ وله كناية، ولفظ الخلع يُعتبر من كناية الطلاق؛ لأنه يدل على حل العصمة ورفع قيد النكاح؛ لأن أصل قيد النكاح وعُقدة النكاح وعِصمة النكاح تُوجِب أن يكون الرجل لباساً للمرأة والمرأة لباساً للرجل، فإذا قال: خالعْتُك، كأنه يقول: فسخت نكاحكِ، وكأنه يقول: خَلَعْتُ لباس الزوجية، فحينئذٍ يكون فيه وجهٌ لدخوله في كناية الطلاق، فهو إذا قال لها: خالعتُك، ناوياً الطلاق ولم يأخذ العوض؛ لم يَصح خلعاً، لأن الخلع لا يَصِح إلا بِعوض، لكن يقع طلاقاً؛ لأنه كنايةٌ يقع بها الطلاق بالنية.