للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من عمل عملاً لغيره بغير جعل لم يستحق عوضاً

قال رحمه الله: [ومن رد لقطة أو ضالة، أو عمل لغيره عملاً بغير جعل؛ لم يستحق عوضاً].

من حيث الأصل: أن من قام بعمل دون أن يتفق مع صاحبه على شيء فنعتبر عمله محض تبرع؛ لأنه عمله على ظاهر حاله محض تبرع، ومحض بر وإحسان، فلا نستطيع أن نلزم الناس بدفع عوض وأجرة لمن يقوم بأعمال لم يلتزم بها.

ولو فتح هذا الباب لانفتح باب عظيم عظيم لأكل أموال الناس، فقد توقف سيارتك وإذا بشخص يغسلها، ويقول: أعطني أجرة غسيل السيارة، وإذا بآخر يلمع الباب ويقول: أعطني أجرة البويا التي لمعتها، وينفتح باب عظيم لأكل أموال الناس.

وأنا لا أريد هذا الشيء، ولي الحق أن أطلبه، ولي الحق أن لا أطلبه، فهذا مالي ولي مطلق التصرف فيه بإذن الله عز وجل، وبإذن الشرع لي.

إذاً: لا نستطيع أن نلزم الناس بدفع تكاليف أعمال الغير التي لم يلتزموا بها، ودلالة الظاهر محتكم إليها، وإذا لم يوجد عقد بين الطرفين نقول لهذا الشخص الذي عمل العمل: هل ألزمك أحد بهذا؟ فإن قال: لا.

فنقول: إذاً ظاهر حالك يدل على أنك متبرع، فنقبله منك تبرعاً ولا نلزم الطرف الثاني بالدفع، هذا من حيث الأصل.

ولو جاء شخص ورفع لك ساقطاً، أو حفظ لك شيئاً ضائعاً أو نحو ذلك، فمن حيث الأصل لا يستحق شيئاً، إلا إذا كان هناك عقد.

وفي هذه المسألة سنة عمرية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد قضى في بعض الأشياء بوجود استحقاق فيها، واستثنى مذهب الحنابلة رحمهم الله هذه الأشياء، وهناك خلاف عند العلماء في مثل هذه السنن: هل هي سنن مؤقتة لا يزاد عليها ولا ينقص فيها من حيث القدر المجعول فيها أم أنها سنن تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، فيكون فعل عمر أصلاً في جوازها، ثم تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة في ضبطها وتقديرها؟ وسيأتي ذلك إن شاء الله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>