للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بيان معنى الكفاءة وأنها ليست شرطاً في صحة النكاح

قال رحمه الله: [وليست الكفاءة: وهي دين، ومنصب: وهو النسب والحرية شرطاً في صحته] قوله: (وليست الكفاءة وهي دين) الدين من حيث الإسلام والكفر، فلا يمكن أن يزوج كافر بمسلمة، ونص القرآن في هذا واضح، لكن بالنسبة للدين من حيث الاستقامة والطاعة، فلو أن رجلاً مستقيماً صالحاً وامرأة ليس عندها تلك الاستقامة وذلك الصلاح؛ إنما هي تصلي، وتؤدي فقط الأمور الأساسية لكنها قد تقع في بعض المحرمات، وعندها بعض التقصير، ولا تصل إلى درجة الصلاح، فهل يجوز زواج غير الصالحة بالصالح؟

الجواب

نعم، فلربما أصلحها، وأيضاً: يجوز زواج غير الصالح بالصالحة فلربما أصلحته، وإن كان الأولى والأحرى أن يحتاط في هذه الأمور، لكن من حيث الأصل يجوز؛ لأن هناك شيئاً اسمه صحة النكاح، فالنكاح هنا يصح، فلو أن امرأة صالحة جاءها ابن عمها أو قريب لها وهو على غير صلاح، فقال لها والدها: فلان يريدكِ، فقالت: ما دام والدي اختاره لي، وهذا ابن عمي فأتقي الله عز وجل وأصل الرحم، وأقوم بحقوقه، ولعل الله أن يهديه على يدي، ونوت ذلك فيما بينها وبين الله، فهذه تؤجر وتثاب، ولها من الله معين وظهير، وزواجها تؤجر عليه؛ لأنها نوت الخير، فما دام أن في نيتها أن تصلحه فهذه هي الداعية بحق؛ لأنها نظرت أن أحق من يدعى أقرب الناس منها، ووقع من هذا شيء كثير، حتى إن من الرجال من أصلحهم الله بصلاح بنات العم وبنات الخال.

وفي بر الوالدين بركة وخير، فالمرأة إذا برت والديها جعل الله لها فيه خيراً كثيراً، كأن تكون المرأة بنت خمس عشرة سنة وهي في عز جمالها وشبابها ونظارتها، ويأتيها والدها بصديق له ماتت زوجته، وقد يكون ابن أربعين سنة، أو خمس وأربعين سنة، أو ابن خمسين سنة، ويقول لها: يا فلانة! فلان يريدكِ، وأريد أن أزوجكِ من فلان، فتقول له: ما دمت تريده أنا موافقة، وتتزوج ابن أربعين وهي بنت خمسة عشر عاماً، وتتزوج ابن خمسين وهي بنت خمسة عشر عاماً، بشرط أن يكون قادراً على حقها ويعطيها حقها في فراشها، فسيعطيها الله عز وجل من السعادة والرحمة والراحة ما الله به عليم؛ لأنه مع كبر سنه يحس أنها كالهدية، فيغدق عليها من الإحسان والخير ما الله به عليم.

لكن لما أصبحت المرأة لا تبالي بأبيها، وأصبحت تتأثر التأثر بآراء الذين ليس عندهم بر بآبائهم، فأصبحت المرأة يأتيها أبوها بزوج في سنها كابن عمها أو قريبها ويقول لها: يا فلانة! عمكِ جاءني يريدكِ لابنه، فتقول: لا.

هذا مستقبلي، لا تدمر حياتي، لا تنغص عيشتي، فلقنت، وكانت المرأة لا ترفع رأسها في وجه أبيها، ولا يمكن أن تحل شيئاً عقده والدها، من الإكرام والإجلال، وتجد من الخير ما الله به عليم، والله كم عرفنا من القرابة وغير القرابة ومن الأسر من بيوت بنيت بالبر وصلحت بالبر.

أصبحت بعض النساء -وهذا ملموس من الأسئلة والفتاوى- تحس دائماً أن والدها إذا تدخل في الزوج أنه يريد أن يهدم مستقبلها؛ لأن كل ما قرأته من القصص المعاصرة والواقع المعاصر ينصب في هذا؛ أن الوالد لا يتدخل في شيء، وهذا من أكبر الخطأ، ومما ينبغي على النساء أن يحفظنه ويحافظن على إحيائه في أخواتهن وفي النساء تقوى الله في بر الوالدين، فالمرأة إذا اتقت الله وبرت والديها جعل الله لها من السعادة والخير وعوضها خيراً كثيراً، وكم والله رأيت من قصص عجيبة، فتجد الرجل يحب امرأة معينة وتأتيه والدته وتصرفه إلى امرأة أخرى، فيتقي الله عز وجل ولا يقول: أنتِ تتدخلين في أمري، أنتِ كذا، أنتِ كذا، أبداً، بل يسلم لوالدته ويطيع فيجعل الله له من الخير ما لم يكن له في حسبان.

فإن أحدهم أصرت عليه أمه أن يتزوج ابنة خالته، وكانت ليست بدينة -هذا على مسألة إذا زوجت الصالحة من غير الصالح والصالح من غير الصالحة- فقالت له: يا بُني! هذه بنت خالتكِ، وأحب أن يكون بيني وبين أختي شيء من الصلة، فيا ليتك تدخل السرور عليَّ بزواجك من بنت خالتك.

فاتصل بي وقال: كيف تتدخل والدتي في أمري، وكيف وكيف مما هو سائد وموجود، فقلت له: يا أخي! هذا بر للوالدين إذا لم يكن فيها عيب ينفرك منها، قال: هي تصلي، وتقوم بحق الله لكن دينها ليس بذاك، ولكني أريد فلانة الصالحة، جارته أو من بنات جيرانه، فأصر على ما هو عليه، فمكث أكثر من شهر وهو يراجعني، حتى شاء الله عز وجل في آخر لحظة أن يلين قلبه، قال: أوافق على ما قالت الوالدة؛ لأني قلت له في الأخير: ما دمت مصراً على رأيك لا تستشرني، قد قلت لك رأيي، وقد قلت لك وجهة نظري؛ أنك إذا بررت والدتك وكانت نيتك صالحة فلن يخيبك الله.

فوالله فوجئت قبل سنة أو سنتين وأنا داخل إلى مدينة من المدن وإذا به يشير إليَّ فوقفت، فقال لي: تعرفني؟ قلت: لا أذكر، قال: أنا الذي اتصلت بك وكنتُ كذا وكذا وإذا به يذكرني بحادثته، قال لي: الآن الذي معي بنت خالتي التي أصرت والدتي على الزواج بها، أصبحت من أصلح خلق الله، وداعية إلى الخير، ولي منها الآن أطفال، وأنا الآن في سعادة لا يعلمها إلا الله، وبنت الجيران التي كنت أريد زواجها انتكست -والعياذ بالله- بعد زواجها، وسبحان الله قد يصرفك الله إلى خير لك ببر الوالدين، تشعر أو لا تشعر، إذا كان البر يضر فالعقوق أضر.

إذا كانت المرأة تقول: والدي يتدخل في مستقبلي.

لا والله، لا يوسد والدكِ في قبره إلا وقد خرج من هذه الدنيا وهو راضٍ عنكِ لأنكِ أشعرته بالأبوة.

إذا أصبح الوالد ليس له أمر في زواجكِ ولا يختار لكِ، فما هي حياتكِ معه؟ فينبغي أن تنزع المرأة من نفسها هذه المشاعر التي هي دخيلة على المسلمين، وينبغي على المرأة أن تنظر إلى الرجل، ولو أنها تزوجت غير الصالح، فإذا حدث مرة أنها تزوجت غير صالح وحصلت مشاكل وحصل الطلاق والفراق، وحدث أن بعضهن تقول: قد بررت والدي وحدث ما حدث، ورغم ذلك لم أنعم في حياتي الزوجية، فأقول لها: ثقي ثقة تامة أن هذا الزواج الأول الذي وقعت بسببه في الألم والاضطهاد والأذية من هذا الرجل غير الصالح سيكون درساً نافعاً لك، بحيث إذا تزوجت ثانية تكونين كأحسن ما يكون، فإن الذي يذوق المرارة ويذوق من بعدها الحلاوة يحس بلذة الحلاوة، وذق شيئاً مراً ثم ذق بعده حلواً، فإنك تجد للحلو لذة، وإن كنت تراه قبل المرارة حلواً فإنه بعد المرارة أحلى.

وكان من كلام العقلاء الحكماء ومما ذكره بعض أهل الحكم: أن عظيماً من العظماء أراد أن يتزوج، فقال لجلاسه: اختاروا لي امرأة، فقال أحدهم: عليك بالجميلة، وقال الآخر: عليك بالطويلة، وعليك! وعليك، فأخذوا بضروب النساء وأصنافهن، فقال كلمتين: ابغوا لي امرأة يطلب مثلها -يعني: فيها صفات المرأة من حيث هي ولو كان جمالاً نسبياً- لكن ماذا قال؟ أدبها الفقر فعرفت قيمة الغنى، أي: أدبها الفقر وأدبها الضعف والشدة حتى إذا جاءت إلى بيت الزوجية بعد هذا عرفت قدر الغنى.

فالمقصود: أنه إذا زوج الصالح من غير الصالحة والصالحة من غير الصالح وكان هذا الزواج مبنياً على بر الوالدين فسيجعل الله فيه خيراً، ويجعل فيه منفعة في مستقبل المرأة وفي حياتها، وإن كان الأولى والمنبغي دائماً أن يزوج الطيب من الطيبة كما قال تعالى: {الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ} [النور:٢٦].

قال: [ومنصب: وهو النسب والحرية] يكون هذا بالنسبة للكفاءة، يعني: لو زوجت الغنية من الفقير، وزوجت الرفيعة من الوضيع، هذا الارتفاع والضعة هذا شيء نص الله عز وجل عليه بقوله: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الزخرف:٣٢].

فالمرأة التي مثلاً لها بيت يكون بيتها بيتاً له.

هناك شيء يسمى: الحسب والنسب، النسب هو: الإضافة؛ فلان ابن فلان من قبيلة فلان من بني فلان من جماعة فلان، وهذا موجود في سائر الأجناس، والحسب موجود في سائر الأجناس، لكن كل جنس بحسبه، والحسب يخالف النسب؛ لأن الحسب يحتسب الإنسان به أجداده، يعني: مثلاً يقولون: هذه فلانة، والدها فلان الكريم، يعني: رجل مشهور بالكرم والإحسان إلى الناس والصدقات حتى أصبحت الناس تذكره بالخير وتثني عليه حياً أو ميتاً، فهذا يسمى: حسب أو يقال: جدها فلان الشجاع، له شجاعة وله مكانة، وأبلى بلاءً حسناً، فهذا من الحسب، أو يقال: جدها العالم فلان، هذا أيضاً من الحسب؛ لأن العلم أعظم الشرف، فتجمع بين شرف الدين والدنيا في هذا.

فإذاً: الحسب: أن يحسب الإنسان آباءه أو يعدهم، ولذلك قد: يتكاثر الناس، وتجد إذا حصل بينهم ذلك يعدون هذه المآثر والمفاخر، وإذا كان على سبيل الحق فلا بأس، كأن يقال: فلان له حق علينا، فإن والده فلان، أو هو من ذرية فلان، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال في الحديث الصحيح: (أنزلوا الناس منازلهم) ولذلك قال صلى الله عليه وسلم حينما مر على سفانة وهي أسيرة، وقالت لـ علي أن يشفع لها، فقال لها: إذا مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فدونكِ تكلمي، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: (يا محمد! إن أبي كان يقري الضيف ويحمل الكل، ويعين على نوائب الحق، فقال لها: من أبوكِ؟)، قالت: حاتم الطائي، قال: (خلوا عنها -يعني: أطلقوها من أسرها- فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، لو كان أبوكِ مسلماً لترحمنا عليه) فعدت هذه المفاخر والمآثر وهي في الجاهلية، فكيف إذا اقترنت بالإسلام وعرفت المرأة أنها بنت فلان، والسبب في هذا: أن البيوت المعروفة سواءً كانت بيوت فضل وكرم وشجاعة ينتقل السر إلى الأولاد، فالبيوت المعروفة بالبخل والشح -نسأل الله السلامة والعافية- وعدم الإنفاق والخوف على الدنيا ينتقل بلاؤها إلى الأولاد، وكذلك أيضاً بيوت الكرم والشجاعة يبقى فيهم السر، كما قال الشاعر: إن الأصول الطيبات لها فروع زاكية والإنسان دائماً إذا كان من بيت طيب يستحي وينكف وينزجر عما لا يليق به، فلو أن المرأة كانت من بيت حسيب فزوجت ممن هو دون، فليس هذا من الحق والعدل إذا وجد الكفء لها، يعني مثلاً: الآن نجد بعض النساء تقول: إنها تريد أن تتزوج، فيصر والدها على تزويجها من ابن عمها، نقول: نعم تتزوج ابن عمها إذا كان كفئاً كريماً فهو أولى وأحق،

<<  <  ج:
ص:  >  >>