للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الشرط الثاني: الطهارة من الحدث والنجس]

قال المصنف رحمه الله: [والطهارة من الحدث والنجس].

قوله: (والطهارة من الحدث) تقدَّم تعريف الطهارة، وقلنا: إنها صفةٌ حكميةٌ توجب لموصوفها استباحة الصلاة، والطواف بالبيت، ونحوه مما تشترط له الطهارة.

وأما الطهارة من النجس أو الخبث كما يُعبِّر العلماء فيشترط كذلك؛ لأن الطهارة طهارةٌ من الحدث بالوضوء أو الغسل أو التيمم بدلاً عنهما، وطهارةٌ من الخبث بإزالة النجاسة عن البدن والثوب والمكان.

فأما طهارة الحدث فدليل وجوبها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة:٦]، ثم قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:٦]، فأوجب وأمر وألزَمَ المكلف بهذه الطهارة، ثم حكم بعدم صحة الصلاة بالفقد، فقال عليه الصلاة والسلام في الصحيحين كما في حديث أبي هريرة واللفظ لـ مسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، فهذه طهارة الحدث ودليل اشتراطها لصحة الصلاة من الكتاب والسنة، لكن دليل السنة في الاشتراط أقوى من دليل الكتاب؛ لأن دليل الكتاب دلّ على الوجوب، وأما دليل السنة فقد دل على عدم الصحة والاعتبار إلا بعد وجود الطهارة، وهو أبلغ في الدلالة على الشرطية؛ لأن كون الشيء واجباً لا يدل على كونه شرطاً لصحة الشيء كما هو معلوم.

وأما الطهارة من الخبث، وهي طهارة البدن والثوب والمكان من أجل الصلاة، كونها شرطاً لصحة الصلاة فيدل عليها: أولاً: إلزام المكلف بطهارة البدن، أصله قوله عليه الصلاة والسلام: (اغسلي عنك الدم ثم صلي)، وقوله: (دعي الصلاة أيام قروئك)، وفي الحديث الآخر: (لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا بلغت ذلك فلتغتسل ثم تستذفر بثوب ثم تصلي)، فأمرها بطهارة البدن.

ثانياً: طهارة الثوب، والأصل فيها قوله تعالى يخاطب نبيه: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:٣ - ٥]، فكبر: أي للصلاة، {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:٤]، وليس المقصود الترتيب، وإنما المقصود مجموع هذه الأمور، والمراد بقوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:٤]: أي طهارتها من النجس والقذر، فلا تصح الصلاة إلا بعد وجود طهارة الثوب.

ثالثاً: طهارة المكان، فلا تصح الصلاة إلا بعد أن يكون مكان المصلِّي طاهراً، والأصل في ذلك حديثان: أحدهما حديث الأعرابي لما بال في المسجد، فقال عليه الصلاة والسلام: (أهريقوا على بوله سجلاً من ماء)، فأمر بتطهير المسجد، وكذلك أمره عليه الصلاة والسلام من دخل المسجد بنعليه إن وجد فيهما أذى بقوله: (ليدلكهما في الأرض)، فجعل دلك الأرض طهارةً لها.

والدليل الثاني حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس، ثم خلع نعليه، فخلع الصحابة نعالهم، فلما سلَّم عليه الصلاة والسلام قال: (ما حملكم على إلقاء نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل أتاني، فأخبرني أن فيهما قذراً، أو قال: أذى).

ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم خلع النعلين بعد العلم بنجاستهما؛ لأنهما ليستا بطاهرتين، فلما خلعهما بعد العلم بالنجاسة دل على أن المصلي لا يقف على موضعٍ نجس، ولذلك اعتُبِر حديث النعلين في خلعه عليه الصلاة والسلام لهما أصلاً في طهارة موضع المصلي الذي يصلي عليه.

فمجموع هذه النصوص في الكتاب والسنة دلَّ على أنه ينبغي للمصلي أن يطهِّر ثوبه وبدنه ومكانه من أجل صلاته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>