قال رحمه الله:[وما لا نفس له سائلة متولد من طاهر] أي: أن ما كان مما لا نفس له سائلة وكان متولداً من طاهر فيعتبر طاهراً.
(ما لا نفس له سائلة) النفس تطلق بمعنى الدم، قالوا: سمي الحيض نفاساً لمكان الدم الخارج، كما في الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة:(مالك أنفست؟) وسمي النفاس نفاساً لوجود الدم فيه.
فالنفس تطلق بمعنى الدم، وتطلق بمعنى الروح، واختلف هل هي والروح شيء واحد أو لا؟ وهو خلاف معروف، لكن المقصود: أن من إطلاقات النفس: الدم، فيقولون: كل دابة ليس لها نفس، أي: ليس لها دم كالبراغيث، والصراصير، وبنات وردان، وكذلك البعوض وما كان مثل هذه الدواب، أو كان من الهوام، فكل ما لا دم له قالوا: يحكم بكونه طاهراً؛ لأنه إذا مات فلا يعتبر من الميتات المتنجسة بالدم؛ قالوا: لأن الميتة ما حكم بنجاستها إلا لمكان احتباس الدم فيها، بدليل أنها لو ذكيت كانت طاهرة، فهذا مستنبط من مفهوم حكم الشرع، قالوا: لما كان الحيوان الذي يذكى بالذكاة يطهر ويحل أكله ويعتبر طاهر الأجزاء، والميتة التي ماتت حتف أنفها وانحبس الدم فيها يحكم بنجاستها، عرفنا أن ما يذكى طاهر، وما لا يذكى نجس، فإن كان الميت مما لا دم له فإنه يخرج عن هذا الوصف، فليس له دم يراق، فيعتبر من الميتة الطاهرة التي لا يحكم بنجاستها، هذا وجه من يقول بطهارة ما لا دم له.
مثال ذلك: الصراصير ونحوها، لكن يستثنى من هذا إذا خرجت من مكان نجس، فيقال: متنجسة، وفرق بين المتنجس والنجس، فالنجس بذاته، والمتنجس بعارض، ويمكن تطهيره، فلو خرجت من مكان نجس وهي رطبة حكم بكونها نجسة.
والدليل على أن ما تولد من طاهر يحكم بطهارته: أن السوس كان يصيب التمر، ولم يأمر الله عز وجل ولا رسوله صلى الله عليه وسلم باتقاء ما كان فيه سوس، وكان يوجد في الأطعمة، ويوجد في التمور، ويوجد في الحبوب، ويوجد في الدقيق ومع هذا كان يؤكل ولا ينكر على أحد ولا يحكم بكونه ميتة، وهذا يكاد -بالإجماع- يكون دليلاً على أنه طاهر؛ وبناءً على ذلك: فكل ما تولد من طاهر فهو طاهر، فمثلاً: لو كان هناك طعام وتولد من الطعام دود والطعام طاهر؛ فنقول: إنه طاهر، فلو مات هذا الدود في مكان، وجاء الماء على المكان الذي فيه الدود وأصبح متشرباً به ثم أصاب الثوب؛ فنقول: إن الماء طاهر؛ لأن هذه الميتة ميتة طاهرة ولا تعتبر نجسة.