[مرتبة الشهادة للمقتول في الدفاع عن نفسه أو ماله أو عرضه]
وقوله:[فهو شهيد]: أي: لنص النبي صلى الله عليه وسلم.
وسمي الشهيد شهيداً، قيل: لأن الملائكة تشهده، فإذا قبضت روحه حفته الملائكة، ففي الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله:(لما قتل أبوه عبد الله بن حرام يوم أحد، فجعل جابر يكشف عن وجه أبيه ويبكي فيمنعه قومه، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم أخته تبكي، فقال: تبكيه أو لا تبكيه، فما زالت الملائكة تظله حتى صعدت به إلى السماء) فقالوا: سمي شهيداً لأن الملائكة تشهده، أي: تحضره، والشهادة تكون بمعنى: الحضور، كما قال تعالى:{وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ}[القصص:٤٤] أي: من الحاضرين.
وقيل في تسمية الشهيد أقوال أخرى.
وقوله:(شهيد): الشهادة على مراتب، فأعلاها وأعظمها أجراً وثواباً عند الله سبحانه وتعالى: الشهادة في سبيل الله عز وجل، أن يقتل من أجل إعلاء كلمة الله، بأن يكون القتال جهاداً شرعياً ولم يقصد به الحمية، أو المقاصد الدنيوية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له:(الرجل يقاتل حمية، ويقاتل للذكر، ويقاتل للمغنم، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
أي: من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، فيكون هناك غرض شرعي واضح.
فراية الجهاد الشرعية من قتل تحتها فهو في سبيل الله، وإن كانت الراية عمية، فالحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:(من قتل تحت راية عمية فهو إلى نار جهنم) والعياذ بالله، فلا تكن الشهادة شهادة إلا إذا كانت منضبطة بأصول شرعية، وأعلاها أن تكون في الجهاد، ثم بعد ذلك من كان مبطوناً فهو شهيد، ومن كان غريقاً فهو شهيد، والحريق شهيد، ومن مات بالطاعون فهو شهيد، والنفساء شهيدة، ومن قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد.
ثم هذه الشهادة نفسها لها مراتب، أعنى الدفاع عن النفس، ومن قتل دون عرضه أيضاً على مراتب، وكل هذا يختلف باختلاف الشهادة والقتل نفسه، وعلى هذا إذا ثبت أنه يشرع للإنسان أن يقاتل، ولو غلب على ظنه أنه سيقتل فإن هذا نوع من الشهادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على هذا: قال: (أرأيت إن قتلني قال: أنت شهيد) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قتل دون نفسه فهو شهيد) فهذا نص على أنها شهادة في سبيل الله عز وجل، لكن الشهادة إذا أطلقت فهي الشهادة في سبيل الله، فيشترط فيها: أولاً: أن تكون لأجل كلمة الله.
ثانياً: أن تكون في المعركة.
فلو أنه جُرح، ثم سحب من المعركة، فأخذ يتداوى ثم مات، فهذا نوع شهادة، لكنه لا يصل إلى الشهيد الذي مات في المعركة، بل يعامل معاملة الميت: فيغسل، ويكفن؛ ولذلك فإن سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه لما انفجر عليه جرحه الذي أصيب به يوم الأحزاب، داواه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم فاضت روحه ومات، ومع ذلك غُسل وكُفن، وأخذ حكم الميت، لكنها نوع شهادة، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم (اهتز عرش الرحمن لموت سعد) رضي الله عنه وأرضاه، وذلك من عظيم بلائه في الإسلام.