[توضيح لقاعدة: يجوز في التابع ما لا يجوز في الأصل]
السؤال
حصل عندي إشكال في القاعدة التي ذكرتموها: يجوز في التابع ما لا يجوز في الأصل.
وهو أن العطر به مادة كحولية وهي تابعة، فهل عندما نشتريه لم نكن قصدنا -أصلاً- ما به من كحول؟
الجواب
من حيث الأصل: أن ننظر في الدليل، فالنبي صلى الله عليه وسلم حرم بيع الخمر، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه خطب في اليوم الثاني من فتح مكة وقال: (إن الله ورسوله حرما بيع الميتة والخمر) ولم يفرق بين قليلها وكثيرها، وقال: (ما أسكر كثيره فملء الكف منه حرام) فجعل حكم القليل والكثير في الخمر سواء، فإذا ثبت أن التحريم في الخمر تعاطياً وتجارة شامل للقليل وللكثير؛ فإنه ينبغي في تحريم البيع أن نحرم القليل والكثير تابعاً أو أصلاً؛ لأن الله يقول: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة:٩٠] فأمر بالاجتناب الكلي ولم يفرق بين قليله وكثيره؛ فاستوى الحكم فيهما.
وأنبه -بالمناسبة- في قاعدة: يجوز في التابع ما لا يجوز في الأصل.
على أنك إذا تأملت النصوص وجدت أن النصوص استثنت، ولذلك لا نطبق هذه القاعدة إلا في حدود ضيقة جداً، إما أن يشهد نص بالاستثناء، وإما أن يحصل إجماع بين العلماء على الاستثناء، أو ينقدح دليل من قواعد الشريعة العامة وأصولها العامة على هذا الاستثناء، أما أن كل شخص يقول: هذا تابع فيجوز، وهذا تابع فيجوز.
فقد يحرم ما أحل الله عز وجل بهذه الحيلة.
وسبق وأن ذكرنا أن قواعد العلماء والقواعد الفقهية والقواعد الخاصة والضوابط لا ينبغي لكل أحد أن يتولى تطبيقها، بل عليه أن يطبقها من خلال كلام العلماء والأئمة المجتهدين، وأنبه على أن أي شخص يطبق قاعدة لم يسبق له دراستها بدليلها وأصولها على عالم متمكن منها، ولم يسبق له أن تعلم كيفية تطبيق هذه القاعدة على فروعها؛ فإنه يحرم عليه أن يطبق هذه القاعدة؛ لأن تطبيقها اجتهاد، والاجتهاد لا يجوز إلا لمن هو أهل، وينبغي على طلاب العلم أن يتورعوا.
وكم نسمع بعض الأحيان من أن بعض طلاب العلم يسمع بعض الفتاوى من المشايخ ثم يطبقها على المسائل التي يسأل عنها، فهذا لا يجوز، وينبغي عليك أولاً: أن تعرف علم القواعد الفقهية، ثم تعرف دليل هذه القاعدة، ثم تعرف هل هذه القاعدة خرجت من أصل عام تنطبق على جميع الفروع أو لها مستثنيات، فقد تجتهد في شيء مستثنى، وقد تجتهد في مستثنى أجمع على استثنائه.
فإذاً: لابد لطالب العلم أن ينتبه لهذه الأمور.
ومن الورع والأورع، بل قالوا: العلم الحقيقي هو العلم الموروث، والعلم الموروث: أن تستثني وأمامك عالم وحجة بينك وبين الله تستثني به، أما أن يستثني طالب العلم من عنده، وبمجرد أن يقرأ القاعدة أو يقرأ المسألة يأتي ويطبقها، فقد تقحم النار على بصيرة.
وثق ثقة تامة أن العلم لا يكون بالتشهي والتمني، ولكن يكون بالقدم الراسخة حينما تضعها على أثر ممن تقدمك من العلماء؛ لأن الله يقول: {أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف:٤] فالعلم الصادق الموروث والذي ينجي صاحبه أمام الله عز وجل هو المبني على حجة ودليل وأثر.
والقواعد فيها الزلات العظيمة، وأقول هذا بالتجربة، فإن طالب العلم من خلال القواعد قد يحرم ما أحل الله؛ لأنها مشكلة، كما قال الله: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢] القواعد اجتهادات، وينبغي في هذه الاجتهادات ألا يتناولها إلا عالم على قدم راسخة، يعرف ما الذي ورد على هذه القاعدة، وكم من القواعد قرأناها، ثم بعد أن قرأنا المطولات وجدنا لها مستثنيات ووجدنا لها ضوابط وقيود.
وعلم القواعد هذا علم مستقل، ولا يستطيع أحد أن يتقن علم القواعد إلا بعد أن يضبط علم الفقه كاملاً، ثم بعد ذلك تأتي مسألة القواعد الفقهية، لأن القواعد الفقهية المراد منها استخلاص أو خلاصة الفقه الذي قرأت.
ومن أجل أن يبارك الله لطالب العلم في علمه ولا يتحمل المسئولية أمام الله عز وجل؛ عليه ألا يستخدم القواعد إلا وقد سمع عالماً طبقها، أو أخذ العلم وطريقة تطبيق القواعد وإلحاق الفروع بالأصول من العلماء؛ فهذا هو الذي يعذره أمام الله عز وجل، والله تعالى أعلم.