بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [فصلٌ: ويكون عند من اتفقا عليه].
قوله:(ويكون) أي: الرهن (عند مَن اتفقا عليه) أي: يجوز أن يكون الرهن عند المرتهن، ويجوز أن يكون عند شخص ثالث يتفقان عليه؛ لقوله:(عند مَن اتفقا عليه)، وعلى هذا لو قال المديون: نعطيه زيداً، فقال الدائن: لا؛ فإنه لا يلزم، ولو قال الآخر: نعطيه عمراً، فقال الطرف الثاني: لا؛ فإنه لا يلزم، فحينئذٍ لا بد أن يكون الشخص الثالث مرضياً عنه من الطرفين، وهذا الذي يُسمَّى: العدل.
فإذا ثبت أن الرهن يكون عند العدل الذي اتفقا عليه، وقام الراهن وأعطى زيداً العمارة رهناً، على أساس أن زيداً عدل من الطرفين، ثم قال الراهن أو المرتهن: عزلتُك.
وذلك قبل سداد الدين، فهل من حقه -أي: الراهن أو المرتهن- أن يعزل هذا الطرف الثالث قبل مضي المدة؟ للعلماء وجهان: فمن أهل العلم من قال: من حقه أن يعزله، ولا شيء في ذلك إذا عزله، لكن يكون الخيار لصاحب الدين، فله أن يُطالب بالرهن بديلاً عن العدل، وله أن يفسخ العقد؛ لأنه لو فُتِح هذا الباب لتلاعب الناس بحقوق الرهن، فإنه يرهن عند عدل، ثم يعزله ويسحب الرهن منه، فقالوا -استيثاقاً للحقوق-: يكون الخيار دفعاً لهذا، وهذا قول جمهور العلماء.
وقال بعض أصحاب الإمام مالك رحمه الله: إنه ليس من حقه العزل إلا برضا الطرف الثاني، وهذا المذهب -وهو مذهب المالكية رحمهم الله- أحوط، وقالوا: ما دام الطرفان تراضيا، فإنه ليس من حق أحدهما عزله دون الآخر؛ لأن إثباته جاء من الطرفين، فنقض هذا الإثبات لا بد أن يرضيا بعزله، وفي بعض الأحيان يتفقان على عزله، خاصة إذا بدرت منه أمور تدعو إلى الريبة، هذه حالة.
الحالة الثانية: أن يموت هذا الطرف الثالث وهو العدل، فلو مات قبل السداد، فما الحكم؟ قالوا: ينفسخ التوكيل ويقيمان من يرضيانه بدلاً عنه، فإذا رضيا شخصاً بدلاً عنه أقاماه مقام هذا العدل.