للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صفة التيمم]

قال رحمه الله: [وصفته أن ينوي ثم يسمي] (وصفته) أي: صفة التيمم، وهذا كله من الترتيب في الأفكار، فميزة العلماء والفقهاء أنهم لا يأتون بالأحكام هكذا مخلوطة دون ترتيب لها وحسن وضع لأحكامها بما يتناسب مع حال المكلفين، فإنك إذا درست باباً من الأحكام فأول ما يأتيك من الأحكام: من الذي يجوز له أن يتيمم ومن الذي لا يجوز له أن يتيمم؟ وبعد أن تعرف الحالات التي يباح فيها أن يتيمم الإنسان لابد أن تعرف بأي شيء يتيمم، ثم ما هي كيفية التيمم؟ ومن هنا ترى دقة الفقهاء في ترتيب هذه الأحكام وتسلسلها على هذا النحو، ومن ذلك يستفيد طالب العلم أنه إذا خاطب الناس أو أراد أن يبين حكماً لهم فعليه أن يراعي ترتيب الأفكار وتسلسلها، إما أن تُسَلْسَل على حسب مناسبة شرعية أو على حسب الطبيعة والواقع.

قال رحمه الله: (وصفته): صفة الشيء: حليته والأمور التي يتميز بها عن غيره، فإذا وصفت شيئاً فقد ميزته عن غيره.

والضمير في قوله: وصفته، عائد إلى التيمم، أي: صفة التيمم الشرعية.

وقوله: (أن ينوي) النية شرط في صحة التيمم.

وقوله: (ثم يسمي) يقول: باسم الله، والصحيح: أنه لا يجب عليه أن يسمي؛ وإنما العلماء يستحبون في مثل هذه العبادات البداءة بالتسمية لمطلقات الشرع في فضل ذكر اسم الله عز وجل، وقد قال الله عز وجل: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} [الرحمن:٧٨] فيقولون: من أراد البركة في الأشياء ذكر اسم الله فيها، وأحق ما تكون فيه البركة الوضوء، ولذلك قالوا: يسمي قبل وضوئه، وأما قبل تيممه فلم يرد نص عن النبي صلى الله عليه وسلم بذكر التسمية في التيمم، ولو أن إنساناً تيمم دون أن يسمي؛ فإن ذلك قد يكون أقرب إلى السُّنة.

قال رحمه الله: [ويضرب التراب بيديه] لأن عماراً وصف تيمم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ثم ضرب بهما) أي: ضرب بيديه الأرض وهذه هي السُّنة، فإن كانت الأرض، صلبة كالحجر ونحوه مسح عليها.

قال رحمه الله: [مفرجتي الأصابع]: قالوا: لوصف عمار لتيمم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ضرب) والضرب لا يكون إلا في الأرض التي لها غبار، فدل على أنه قاصدٌ للغبار، وإذا قصد الغبار فإنه يفرج بين أصابعه حتى يتخلل ما بينها، فيحصل الإجزاء بعبادته.

قال رحمه الله: [يمسح وجهه بباطنهما].

يجعل باطن الكفين للوجه.

قال رحمه الله: (وكفيه براحتيه (للعلماء رحمة الله عليهم في صفة التيمم كلام، فقالوا: يبدأ باليمنى فيجعل طرف الراحة عند رءوس الأصابع، ثم يمرها على الظاهر، ثم يشبك بإدخال أو إنزال أطراف الأصابع حتى يكون ما بين الأصابع قد أصابه المسح، وكما أنك مطالب بالشرع في الوضوء أن تغسل ما بين الأصابع فكذلك أنت مطالب في التيمم أن تمسح ما بين الأصابع، وهذا عند من يقول بعدم التفريج؛ لأنه إذا فرج لم يحتج للتخليل، فيمرها على هذه الصفة، فيمسح بكفه اليمنى على كفه اليسرى بهذه الصفة حتى يبلغ كوعه، فإذا انتهى منه يقلب إلى راحته ويمسحهما بها.

وقال بعض العلماء -وهو الصحيح- يمسح على ظاهر كفيه، قالوا: إنه يمسح بالظاهر فيكون الباطن قد مسح، فيكون المسح على ظاهره.

قال رحمه الله: [ويخلل أصابعه] على الصفة التي ذكرناها، بحيث إذا بدأ باليمين يقلب اليسرى عليها ويولجها بين الأصابع؛ لأنه إذا أمرَّ بهذه الصفة لا يبقى ما بين الأصابع، قالوا: كما أنه أُمر في الوضوء بغسله فالله أمر في التيمم بمسحه، وهذا لا يتحقق إلا بالتخلل، والقاعدة: (أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، فلما كان الأصل في هذه الكف أنها تُمسح كاملةً كما أنها في الوضوء تغسل كاملة فيخلل الأصابع كما هو في الوضوء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>