[السؤال عمن جهلت عدالته]
قال رحمه الله: [ومن جهلت عدالته سئل عنه].
ينبغي أن يكون للقاضي رجالاً مخصوصين يعتمد عليهم بعد الله عز وجل، فيكتب إليهم سراً باسم الشاهد ونسبه وموضعه وعمله، ثم يأمرهم أن يسألوا في عمله ويتحروا عنه حتى يعرفوا صدقه من كذبه، كل هذا صيانة للقضاء الإسلامي، وهو موجود في كتب العلماء واعتنى به الأئمة على خلاف مذاهبهم، كالإمام الخصاف من الحنفية في كتابه شرح أدب القضاء، نبه عليه وبين أصوله، وكذلك المالكية تكلم عليه الإمام ابن فرحون في التبصرة، وكذلك تكلم عليه الإمام الماوردي، وهو من أنفس الكلام في أدب القاضي في الحاوي الكبير، وتكلم عليه الإمام النووي من الشافعية في الروضة، وكذلك من الحنابلة تكلم عليه الإمام ابن قدامة في المغني وابن مفلح في المبدع.
وهذه المهمة كانت مهمة أعوان القضاة، يُرسل إليهم سراً ليسألوا عن الرجل ويتحروا هل تقبل شهادته أو لا؛ فإن تعذر وجود العدول أو كثر الفسق قبل أمثل الفساق كما ذكرنا، وهذا قرره الأئمة مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن فرحون وغيرهم.
[وإن علم عدالته عمل بها].
كما ذكرنا أنه يحكم على ما يعلمه في الشهود عدالة وجرحاً.
[وإن جرح الخصم الشهود كلف البينة به وأنظر له ثلاثة إن طلبه].
كما لو قال شخص: عندي بينة قال: أحضر بينتك، فجاء شاهدان وشهدا أن فلاناً أعطى فلاناً ديناً عشرة آلاف ريال، فقال الخصم المشهود عليه: هذان الشاهدان عدوان لي، وأنا أجرح شهادتهما بالعداوة، يقول له القاضي: أثبت لي هذه العداوة، يقول له: أنظرني فيعطيه القاضي مهلة ثلاثة أيام ليذهب ويبحث ويأتي بشهود أنه حصلت خصومة بينه وبين الشهود الذين شهدوا عليه، فيمهله لرد الشهادة التي عليه.
وكذا لو قال للقاضي: الشاهد الأول شريك لفلان في الشركة شريك لفلان في هذه الأرض وله مصلحة، فقال: أثبت ذلك، فيقول: أمهلني حتى أحضر شهوداً على ذلك وسيأتينا إن شاء الله تفصيل في القوادح وما يطعن في شهادة الشاهد، والمقصود هنا أن المشهود عليه له الحق أن يدافع عن نفسه؛ ولذلك أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا موسى أن يمهل الخصم ويعذر إليه هذا الإعذار حتى يمكنه من دفع الشهادة عنه.
[وللمدعي ملازمته].
وللمدعي ملازمة الخصم، خلال مدة المهلة.
[فإن لم يأت ببينة حكم عليه].
حكم عليه؛ لأن الأصل أن البينة ماضية ويحكم بها إن زُكِّيت وعُدّلت وثبتت شهادتها وصحت، فلا تعطّل، وإلا عطلت الأحكام.
[وإن جهل حال البينة طلب من المدعي تزكيتهم].
وإن جهل القاضي حال البينة طلب من المدعي تزكيتهم، فلو ادعى شخص أن فلانة زنت أو قذفها بالزنا والعياذ بالله، فقال له القاضي: أحضر الشهود، فقال: أمهلني، فإنه يمهله ثلاثة أيام، وهكذا من طعن في شهود خصمه وطلب الإمهال يمهله القاضي ثلاثة أيام حتى يأتي ببينة على جرحه لهم.
وكذلك تزكية الشهود.
[ويكفي فيها عدلان يشهدان بعدالته].
يكفي في التزكية عدلان يشهدان بعدالة الشاهد، أو عدلان يشهدان بالجرح.