للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التخفيف في الركعتين الأخيرتين يشمل التخفيف في جميع الأركان]

السؤال

هل من السنة في الرباعية تطويل الركعتين الأوليين وتخفيف الأخيرتين؟ وهل التخفيف في جميع الأركان؟

الجواب

الظاهر من السنة أن التخفيف في جميع الأركان، ولكن التخفيف نسبي، فثبت عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه -وكان أميراً لـ عمر على الكوفة- وكان رضي الله عنه وأرضاه من أحرص الناس على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الصحابي الجليل الذي يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: (ارم فداك أبي وأمي)، هذا الصحابي الجليل الذي غبّر قدمه في سبيل الله عز وجل، وأبلى في الإسلام بلاءً عظيماً لا يعلم قدره إلا الله عز وجل، ومع هذا كله آذاه أهل الكوفة، وانظر كيف يبتلى الصالحون! فكل داعية وكل طالب علم وكل عبد صالح يتكلم فيه فلينظر إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل ذلك أنبياء الله عز وجل، فهذا الصحابي الجليل آذاه أهل الكوفة، وما زالوا يؤذونه حتى أرسلوا وفداً إلى عمر، وذكروا له عدة شكاوى: أول شيء أنه وضع باباً بينه وبين الناس، فجعل على قصره باباً لكي يحتجب عن الناس.

ثانياً: قال قائلهم: أما وقد سألتنا عن سعد فإنه لا يقسم بالسوية، ولا يمشي في السرية، والشكوى الثالثة إنه لا يحسن أن يصلي بنا! قبحهم الله وقبح ما جاءوا به، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} [الكهف:٥]، فزعموا أنه لا يحسن الصلاة، انظروا ماذا يقولون عن أحد الأجلاء الذي كان سابع سبعة في الإسلام؟ كان يقال له: سبع الإسلام، وقيل: سدس الإسلام، ومع هذا قالوا عنه: ما يحسن الصلاة! شرعت الصلاة فرآها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم كفار، أو أن أمهاتهم لم تلدهم، ما كانوا يفقهون من دين الله شيئاً، وهو يجاهد ويجالد رضي الله عنه وأرضاه مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتون ويقولون: ما يحسن أن يصلي! -وهذا في الصحيح-، فأرسل عمر محمد بن مسلمة، فوجد الباب كما ذكروا فأحرق الباب، وكان قد قال له عمر: إن وجدت له باباً كما زعموا فأحرقه ثم لا تلبث حتى تأتيني به، فلما جاء وقف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقام الوفد وقال أحدهم: أما وقد سألتنا عن سعد فإنه لا يقسم بالسوية، ولا يمشي في السرية، ولا يحسن أن يصلي بنا الصلاة، فقال رضي الله عنه: أما الباب فإن الناس الذين في السوق قد شوشوا عليّ أثناء الخصومات؛ لأنه كان يقضي بين الناس، فكان إذا جلس يريد أن يسمع الخصوم، علت أصوات الناس في السوق، فلا يستطيع أن يسمع الخصوم، فاتخذ هذا الباب حتى يحجب عنه أصوات الناس في السوق، ويستطيع أن يقيم شرع الله عز وجل، انظروا كيف تفهم الأمور على العكس تماماً؟! فعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا ولهذا فكل من أظلم قلبه -والعياذ بالله- ساءت ظنونه في خلق الله عز وجل، ولكن المؤمن التقي الورع دائماً يلتمس المخارج، فهذا رده على الشكوى الأولى.

وأما رده على الشكوى الأخرى فقال: إنهم يتهموني أني لا أحسن أن أصلي بهم مثال صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله! ما كنت آلو أن أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطول في الأوليين، وأحذف في الأخريين، فجاء بالسنة رضي الله عنه، وصدق وبر، ومن عاداه لقمه الحجر، حتى إنه رضي الله عنه قال: اللهم! إن كنت تعلم أنه كاذب فيما يقول، فأطل عمره، وأذهب بصره، وعرضه للفتن، فعمر فوق المائة سنة، وسقط حاجباه، وهو يتغزل بالنساء وعمره فوق المائة، تقول له المرأة: يا هذا! اتق الله، فيقول: أصابتني دعوة الرجل الصالح، نسأل الله السلامة والعافية! فالشاهد في قوله: ما كنت آلو -يعني أقصر- أن أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أطول في الأوليين، في الأخريين، وهذا يدل على أنه كان يستعجل ويخفف فيهما، والذي عليه العمل أن يكون قيامه في الأخيرتين أخف من قيامه في الأوليين، وأن يكون ركوعه وسجوده أخف، لكن مع مراعاة التعادل في الأركان.

واختلف العلماء رحمهم الله: هل الأولى والثانية من الأوليين بقدر واحد أو تخفف الثانية دون الأولى؟ والذي اختاره بعض العلماء أن ما ورد من الأحاديث بالمساواة في الأولى والثانية فسببه أن الأولى ينسب لها التطويل بالقراءة، لكن ما قرأه النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية يعادل الذي قرأه في الأولى، وطالت الأولى بدعاء الاستفتاح، وحينئذ تكون روايات الإطالة في الأولى على الثانية محمولة على وجود دعاء الاستفتاح، والتطويل ليس في القراءة، وإنما هو لوجود دعاء الاستفتاح.

وقال بعض العلماء: أنه يطول في قرأءة الأولى، ويقصر في قراءة الثانية.

ثم في الثالثة والرابعة وجهان أيضا ً لأصحاب الشافعي رحمهم الله، منهم من قال: يقرأ في الثالثة والرابعة كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، فيقرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:١] في الثالثة، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] في الرابعة، وهذا يعني أن هناك فرقاً نسبياً، وعلى كل حال فالسنة تخفيف الأخيرة عن الأولى، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>