[الخلاف في تشطير الطلاق على العبد]
قال رحمه الله: [يملك من كله حرٌ أو بعضه ثلاثاً].
هذه المسألة تعرف بمسألة تشطير الطلاق، فهناك الأحرار وهناك العبيد، والشرع حينما حكم بضرب الرق على العبد أو على الأمة بسبب الكفر لا يتقيد هذا بلون ولا بجنس ولا بطائفة، فمن كفر بالله عز وجل وعادى الله وحارب دين الله عز وجل وضُرِب عليه الرق ضُرِب عليه عقوبةً من الله عز وجل، ونَقَصَ عن مستوى الآدمية حتى يباع كالمتاع؛ لأن الله يقول: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الفرقان:٤٤]، فلا يمكن أن نسوي مَن حكم الله عز وجل بانتقاصه ونزوله إلى هذه المرتبة بمنزلة مَن كان على صراط سوي، وآمن بالله وشرعِ الله عز وجل! فوُجِدت أحكامٌ في الشريعة شُطِّر فيها الحكم بالنسبة للأرقاء، واختلف الحكم بالنسبة للحر والعبد، وأعداء الإسلام قد يقولون: إن الإسلام فيه عنصرية أو حزازية بأذية الأرقاء أو نحو ذلك؛ لأنهم لا يؤمنون بالله، ولا يقيمون للإيمان وزناً، والإسلام قائمٌ على الإيمان والعقيدة، فلما كفر الكافر بالله وضُرِب عليه الرق عوقب من الله عز وجل بهذه العقوبة، ولا يمكن أن يسوى بين من آمن ومن كفر، فالله عز وجل حكم ويحكم و {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [الرعد:٤١].
فنص الله في كتابه على أن عقوبة الأحرار ضعف عقوبة الإماء والعبيد: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:٢٥].
وبين أن الحكم في العقوبة والمؤاخذة في الزنا يختلف رقاً وحرية، واختلف العلماء رحمهم الله: هل يقاس على مسألة العقوبة غيرها من المسائل أو لا يقاس؟ فجاءت القضايا والسنن عن الصحابة -رضوان الله عليهم- ومنهم الأئمة المأمور باتباع سنتهم كـ عمر وعثمان بمسألة التشطير، فشطَّروا للعبد كما شطَّروا له بالنسبة للنساء، فجعلوا الحكم مطرداً قياساً، والقياس حجةٌ في الشرع، وقامت الأدلة على أنه حجة، وقد بسط الإمام ابن القيم رحمه الله مسألة حجية القياس في كتابه النفيس: (أعلام الموقعين) وبيَّن حجج السنة الكثيرة وقضايا الصحابة على حجية القياس، فكأن الشرع نبه بالمثل على مثله، فإذا نُصَّ في العقوبة والحدود على التشطير قالوا: يقاس عليها غيرها، فجاء قضاء بعض الصحابة -كما ذكرنا- بتشطير الطلاق للعبد وإذا قلنا بالتشطير يرد
السؤال
هل العبرة بالزوج، أو العبرة بالزوجة، أو العبرة بواحدٍ منهما؟ توضيح ذلك: أنه يباح للرجل أن ينكح أمةً إذا خشي العنت ولم يجد حرة، كما هو ظاهر آية إباحة الإماء إذا لم يجد حرةً: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} إلى أن قال: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء:٢٥]، فجاء بشرطين: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا}: أي: إذا لم يكن عنده قدرة على أن يتزوج حرة، وخاف على نفسه الزنا يباح له أن يتزوج أمة، فإذا أصبحت زوجةً له، فحينئذٍ نقول: إن الرق يؤثر في عدد الطلاق، لكن هل العبرة بالرجل ولا يتشطر الطلاق، لأن الزوجة أمة وما دام أن الرجل حر يمتلك العدد فالعبرة به؟ هذا قول عمر وعثمان وابن عباس وزيد بن ثابت وغيرهم من الصحابة والتابعين وهو أشبه بمذهب الجمهور، فجمهور العلماء على أن العبرة في التشطير بالرجل، فإن كان الزوج حراً فإنه حينئذٍ لا يتشطر الطلاق حتى ولو كانت زوجته أمة.
وقال طائفة من أهل العلم -رحمهم الله- منهم علي بن أبى طالب وعبد الله بن مسعود وهو مذهب الحنفية: أن العبرة بالمرأة لأنها هي محل الطلاق ويتعلق الطلاق بها، فإن كانت حرةً طلقت ثلاثاً وملك زوجها التطليق ثلاثاً، وإن كانت أمةً فإنه يطلقها طلقتين، وتكون بائنة بها.
وهناك مذهب ثالث لـ عثمان البتي قال: العبرة بواحدٍ منهما: فإذا كان الرجل عبداً والمرأة حرة تشطر الطلاق، وإن كانت المرأة رقيقة وزوجها حر تشطر الطلاق.
والصحيح: مذهب الجمهور؛ لأن الله خاطب بالطلاق الرجال، وجعل الطلاق بيد الرجال وهو مسند إلى الرجل، فإذا كان يتشطر فالعبرة بالرجل لا بالمرأة.
فإذا قلنا: إن الطلاق يتشطر، وإن العبرة بالرجل، فحينئذٍ يرد السؤال: كيف يتشطر الطلاق؟ هل يقال: طلقة ونصف؟!
الجواب
الطلاق لا يتشطر، بمعنى: أن المطلق لا يقول: نصف طلقة، بل لو طلق طلقتين وهو رقيق: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:٢٣٠] فيكون كالحر إذا طلق ثلاثاً، وأما على القول: أنها لا تتشطر وأن الطلاق لا يتشطر، فحينئذٍ يملك ثلاثاً، بغض النظر عن كونه حراً أو رقيقاً.
يقول رحمه الله: [يملك من كله حرٌ].
(يملك) يعني: من حقه أن يطلق.
(من كله حرٌ) يعني: إذا كان الزوج كله حر وليس فيه شبهة الرق.
(أو بعضه).
البعضية مثلاً: رجل بين رجلين، يعني: عبد يملك بين رجلين، وهذان الرجلان أحدهما أعتق نصفه وبقي نصف العبد مملوكاً، فيصبح في هذه الحالة نصفه حراً ونصفه مملوكاً، فيومٌ يكون فيه عبداً يخدم سيده، ويومٌ هو حر يفعل ما يشاء، فنصفه حرٌ ونصفه عبد، وربما كان بين ثلاثة أشخاص، فأعتق أحدهم الثلث، وبقي ثلثاه مملوكاً فيومٌ حر ويومان رقيق، يوم يخدم فيه الأول ويوم يخدم فيه الثاني، فلو كان الرقيق بهذه الصفة يقول المصنف -رحمه الله- بمعنى كلامه: أنه لو كان فيه شائبة الحرية -ولو كان المعتق منه أقل- فإنه يملك الثلاث، وقال بعض العلماء: العبرة بأكثره، فإن كان أكثره حراً فإنه حينئذٍ يملك الثلاث، وإن كان أكثره الرق فإنه لا يملكها ويتشطر.
(ثلاثاً) أي: ثلاث تطليقات، فإن طلق ثلاثاً لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، وقالوا: العبرة بالحرية.
قال رحمه الله: (والعبد اثنتي).
والعبد يملك اثنتين، يعني: إذا كان الرجل أو الزوج رقيقاً فيملك اثنتين؛ لأنه ليس هناك طلقة ونصف.
قال رحمه الله: (حرةً كانت زوجتاهما أو أمة).
خلافاً لـ عثمان البتي رحمه الله حيث خالف الجماهير وقال: إن العبرة بواحدٍ منهما سواء كان الرجل أو المرأة.