[ما يجب على المسلم عندما ترد الشبهات من أعداء الله]
من هنا تدرك عظيم ضرر السرقة حينما راعى الشرع فيها قضية الخفية لعظيم ضررها؛ لأنه إذا سرق المال من الشخص اتهم جميع الناس في الأصل إلا من رحم ربك، وحينئذٍ تسوء ظنون المسلمين بعضهم ببعض، وفي المغتصب يعرف من أخذ ماله، وفي الخائن يعرف من خانه، وفي الجاحد للعارية والوديعة معلوم من قام بهذا.
ومن هنا: فعل السارق ليس أذية للأموال فقط بل أذية إلى نفسية الناس، فمن الناس من إذا سرق ماله فقد عقله والعياذ بالله، ومنهم من تأخذه الحمية والقهر حينما يؤخذ ماله وهو لا يدري من الذي أخذ، فيشك حتى في ولده، ويشك حتى في أقرب الناس منه، ومن هنا تراعى عظم شأن هذه الجريمة، فالبعض ينظر إلى ظاهرها من كونها متعلقة بالأموال، ولكن لا ينظر إلى ضرر المأخوذ منه.
ومن هنا تجد من ينتقد الشريعة -وهو أحقر من ذلك ودون ذلك- ينظر إلى المقطوع يده وهو الجاني ولا ينظر إلى المجني عليه، ويقولون: كيف تقتصون من القاتل؟ هذه بشاعة، كيف تقتلونه؟ يأتون ويسفكون الدماء وينتهكون الأعراض ويعتدون على أموال الناس ثم يأتي أهل الحقوق ويتكلمون وينتقدون ويقولون: إنهم أهلُ حقوق، وإنهم دعاةٌ إلى الحقوق: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر:٨]، فيرون أنهم دعاة للحق، وأنه لا يمكن أن تقطع اليد، ويقولون: ما هذه البشاعة في الإسلام؟ -قاتلهم الله- ولا ينظرون إلى الأعراض التي تنتهك، والدماء التي تسفك، والأموال التي تسرق، أبداً ما ينظرون إلى هذا، بل ينظرون إلى المجرم ويقولون: وراءه أسرة وعائلة، وهم بهذا يعينون أهل الجرائم على جرمهم.
فلو كانوا أهل حقوق بحق لنظروا إلى الطرفين، وأنصفوا الطرفين، حتى حينما نقول لهم: هذا قاتل، هذا قتل غيره، فكما سلب غيره نفسه سنسلبه نفسه، وما ظلمناه، فلا يمكن أن ينظروا إلى المقتول! وهذا عين الظلم والجور، ولا شك أن الكافر كما قال تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:٢٥٤]؛ لأن الموازين عندهم مضطربة، ولكن أهل الإسلام هم أهل العدل وأهل الحق بتوفيق الله عز وجل، بصرهم الله عز وجل فنظروا إلى الجريمة وآثارها وأضرارها، وحجم ما اكتسبت الأيدي، وأعطوا كل جريمة حقها بأمر الله سبحانه وتعالى، فالسارق ما دام أنه سرق فإنه لا يمكن أن ينزجر إلا إذا قطعت يده، فإذا قطعت يده وحدث نفسه بالسرقة مرة ثانية إذا بيده تذكره بالعقوبة وعندها يرتدع، ولو جئت بالسراق ووقفوا على سارق تقطع يده لهالهم الأمر، ولوقع ذلك في أنفسهم موقعاً بليغاً.
ومن هنا: تطبيق حدود الله عز وجل ليس بمنقصة ولا بشاعة، وليس فيه ظلم ولا ضرر ولا أذية، ومن هنا ينبغي أن يعتز المسلم بهذا الدين ويعتز بأحكامه، وعليه بدل أن يكون مدافعاً عن شبهات الأعداء أن يكون مهاجماً على الأعداء، فيهجم عليهم بالعكس والضد، ويقول: نحن دعاة الحقوق للمجني عليهم، وأنتم دعاة حقوق للجاني، ونقول: نحن دعاة الحقوق للمجني عليه، والمفروض أن ينصر المجني عليه؛ لأن الجاني لا يحتاج إلى نصر إلا بكفه عن ظلمه وزجره عن أذيته للناس، فتقطع اليد حتى تذكره بالجريمة وتذكر غيره، وليتأمل الإنسان حينما يصبح المجرم مجرماً فيسرق، فإذا قطعت يده يكون بين أمرين: إما -والعياذ بالله- أن يبقى سارقاً فيذهب ويعيش بين السراق، فكلما أصبح وأمسى يذكرهم بيده، لأن من ينظر إليه يتذكر عاقبة السرقة، فهي من أبلغ المواعظ والعظات.
وأما إذا رجع وتاب إلى الله زجر غيره، فإذا نظر إلى يده مقطوعة هاب السرقة وهاب أموال الناس، وفي ذلك آيات وعظات بالغات، وكفى بالله عز وجل عليماً حكيماً، ولطيفاً خبيراً، يضع الشدة في موضعها، ويضع اللين في موضعه، ولا ينبئك مثل خبير.
فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كانا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق.
والكلمة الأخيرة: أننا نوصي في هذا الزمان بأمر مهم جداً وخاصة في مسائل الحدود ومسائل الشبهات التي ترد على الإسلام عموماً، ألا وهي: مسألة التمسك بالحق، فما عليك من إرجاف المرجفين، وسخرية الساخرين، وانظر كيف كان السلف الصالح والأئمة رحمهم الله في زمانهم، فترد الشبهات حتى قالوا: كيف تقطع اليد بربع دينار ويجب ضمانها بنصف دية؟ وهذا من القديم، وللشر أهله؛ فهم لا يخرصون ولا يسكتون؛ لأن الله ابتلى بهم أهل الحق، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان:٢٠] قال الله: (أَتَصْبِرُونَ) وهذا يقتضي أن نصبر على الحق.
فأثناء إيراد الشبهات -سواءً في السرقة وغيرها- وحينما يتبجح أعداء الإسلام، وأعظم من هذا أن يتبجح من هو من بني جلدتنا بأمور فيها استخفاف بالشريعة أو استهزاء؛ فعلى كل مسلم أن تأخذه الغيرة والحمية لهذا الدين، غيرة الحق لا غيرة الباطل، وحمية الدين لا حمية الجاهلية، ومن غار لحق الله أحبه ربه، فإن الغيرة على الحق تزكي نور الإيمان في القلوب، ومن غار على حق الله عز وجل وتألم وتمعر وجهه نجي من العذاب، فإنه إذا كان الإنسان معجباً بما يقوله أهل الباطل ويدافع عنهم أو يهون من أمرهم دون أن يرد عليهم ودون أن يقارعهم الحجة فإن هذا بلاء عظيم، وشر وخيم، فيوصى الإنسان بالصبر على الحق الذي هو مؤمن به.
ومن أحب الأعمال إلى الله -إذا أرجف المرجفون أو طعن الطاعنون أو شوش المشوشون- أن تكون عندك ثقة كاملة بهذا الحق، وأن تعتز به؛ ولذلك قال تعالى: {وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب:١٠ - ١١]، فإذا زلزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيزلزل من كان على نهجهم في كل زمان بحسبه، ولكن الله تعالى يقول: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:٢٢] ثم قال الله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} [الأحزاب:٢٣] ليسوا كلهم! {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:٢٣]؛ لأن بينك وبين الله هذا العهد من الإسلام والاستسلام، وإذا جاء حكم الله عز وجل أمعنت وسلمت ورضيت وكنت على قوة من الحق والثبات ولا تتزلزل، قال أبو بكر رضي الله عنه: (والله! لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم عليها) وهذا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحال في شدة وضيق، وحال المدينة كان من أصعب ما يكون؛ لأن العرب ارتدت، وكان بأشد الحاجة رضي الله عنه إلى جيش أسامة الذي جهزه النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك أمضى ما أمضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت على الحق رضي الله عنه وأرضاه، فكان هذا من دلائل يقينه بالله عز وجل، فكل صاحب حق يثبت على حقه ثباتاً يرضي الله عز وجل؛ لأن الله في الفتن ينظر إلى القلوب، فمن الناس من يلين مع أهل الباطل، ومنهم من تنكسر شوكته، والعياذ بالله! وقال الحكماء والعلماء والصلحاء: الفتن حصاد المنافقين {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال:٤٢]، وكل فتنة وراءها فتنة، فمن صبر في الفتنة الأولى ازداد إيمانه تهيئة للفتنة التي بعدها، ثم تأتي الفتنة التي بعدها أشد من الأولى كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكلما انتهى مرجف جاء مرجف آخر، وقد يكون المرجف كاتباً واحداً ثم أصبحوا كتاباً، ثم أصبح إرجافاً على مستوى الدول والجماعات، حتى يعظم الإرجاف، ولكن الله غالب على أمره.
الكون كون الله، والأمر أمر الله عز وجل، وكلمة الله ماضية، ولتخرص الأفواه، ولن يبقى إلا الحق الذي فيه كلمة الله جل جلاله، التي سيمضيها بعز عزيز وذل ذليل، فوالله! لقد حصل لهذه الأمة من النكبات والفجائع والأهوال ما لا يعلمه إلا الله سبحانه، وما انطفأ نور الله يوماً من الأيام، بل كلما وقعت فتنة رجع الحق أشد ضياءً ونصاعة وقوة ورهبة وهيبة؛ لأنه من الله! وتأمل قوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:٢١] أولاً: التعبير بالكتب؛ لأن التعبير به دليل على أنه لا يغير ولا يبدل، ثم ما قال: كتبت، ولكن {كَتَبَ اللَّهُ} [المجادلة:٢١] فالتعبير بالاسم الظاهر، فحينما تقول: كتبت، شيء، وحينما تقول: كتب محمد، وكتب فلان، فتذكر اسمك ولك مكانة أو لك قوة شيء آخر، وما قال: أن يغلب، إنما قال: {لَأَغْلِبَنَّ} [المجادلة:٢١]، واللام هي الموطئة للقسم، أي: والله! لأغلبن، والتعبير هنا بالغلبة، ثم قال: {لَأَغْلِبَنَّ} [المجادلة:٢١] توكيد {أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:٢١] ما أحد أبداً يشك في قدرة الله على خلقه، وهذه الشنشنة وهذا الإرجاف من المبطلين أياً كانوا وبأي اسم تسموا، وتحت أي ستار استتروا؛ فليكشفن الله عوارهم وذلهم، وليلبسنهم الصغار كما ألبس من قبلهم، والله عز وجل له حكم.
ومن هنا تجد في بعض الفترات المرجفين يرجفون، والكتّاب يكتبون ما فيه استهزاء بالدين أو سب لله عز وجل والعياذ بالله، فيتمعر قلب المؤمن، ويرفع الله درجاته بهذا التمعر بما لا يبلغها بكثرة صلاة ولا صيام، ولربما تسمع بمن يطعن في كتاب الله، أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أو في حد من حدود الله عز وجل، فتجد ذلك السفيه المغمور المتهتك الذي لا دين عنده ولا عقل يلمز الإسلام أو يلزم الأخيار، ثم تجد أن هذه الكلمة لها أثر في قلبك فتتألم وتتغير، ومن الناس من يمنعه قول أهل الباطل النوم! وكان بعض العلماء قد يمرض! وإن كان الأمر لا ينبغي أن يبلغ هذا؛ لأن الله نهى وقال: {وَلا تَحْزَنْ عَلَ