[علامات بدو الصلاح في العنب وغيره]
إذا عرفنا المسألة بالنسبة للنخل، فتنتقل إلى العنب، فالعنب أول ما يخرج إذا خرج في عناقيده يكون صغير الحجم، وهذا الحجم الصغير لو أخذت منه حبة تكاد تكتوي من حموضتها، ثم يستتم يكبر شيئاً فشيئاً، حتى يبلغ قدره الذي قدره الله تعالى له، فيبقى على خضرته الغامقة، وإذا أكلته أكلته حامضاً، فإذا جاء وقت صلاحه تفتحت خضرته، وضربه الماء فإذا بلونه اليوم ليس كلونه بالأمس، وإذا بطعمه الساعة ليس كطعمه قبل أن يأذن الله تعالى بحلاوته، فيتموه، وهذا التموه هو بداية الصلاح.
وإذاً يكون صلاح العنب بالطعم، وفي حديث عند أحمد رحمه الله تعالى: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسودّ)، وهذا في نوع خاص من العنب، يكون باللون، لكن بالنسبة لضابطه يكون بالطعم؛ لأنه أخضر، فينظر الطعم بالنسبة للعنب إلا في بعض أنواعه، كالأحمر الذي يكون غامقاً؛ فإن بداية صلاحه تكون بالحمرة الغامقة.
ومما يبدو صلاحه بالطعم -أن يصبح حلواً بعد مرارته ويكون سكرياً- قصب السكر، فقصب السكر إذا أُكل قبل بدو صلاحه لا يكون له طعم، ولا يوجد له طعم العذوبة السكرية الموجودة فيه، فإذ بدا صلاحه كان طعمه مستعذباً، فقالوا: بدو صلاحه أن يحلو بعد مرارته.
وفي بعض الأحيان يكون بدو الصلاح بلينه بعد يبسه، ومن أمثلته التين، فإن التين يبدأ يابساً، وتكون حياته صلبة شديدة، ثم بعد ذلك يبدو صلاحها فتلين شيئاً فشيئاً، حتى البطيخ، إذا كانت صلبة شديدة فاتَّقها، لكن إذا كانت رخوة فمعنى ذلك أنها قد بدا صلاحها، ولذلك تجدهم يضربون عليها حتى يستكشفون ما فيها، فقالوا: كالتين والبطيخ، يلين بعد شدته.
وهناك ما هو عكس -وانظر إلى قدرة الله تعالى- فهناك ما يطيب بشدته بعد لينه، وهي العلامة الرابعة، مثل الحبوب، في السنابل، كالبر والشعير، فإنه أول ما يبدأ يكون ليناً، ولو أخذتها وعصرتها لخرج مادته، ثم تبدأ تشتدّ شيئا فشيئاً حتى تيبس، كما في الحديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحب حتى يشتدّ)، فهذا الاشتداد، قالوا: اشتداده بعد لينه عكس الأول.
وهناك ما يبدو صلاحه بانتهائه في الكبر، أو الطول، كالقثاء (الخيار) وكالبطيخ والخربز ونحوه، فإنه لا يمكن أبداً أن يباع وهو صغير، فهذا يتعاظم حتى يبلغ غاية عظمه، فمنه ما يكون بالطول مثل القثاء، ومنه ما يكون بالحجم كالدباء، فالدباء تكون بكبر الحجم وهو الذي يسمى بالقرع.
كذلك أيضاً يكون من بدو الصلاح أن يتفتح عن أكمامه، كالورد، فالورد إذا تفتح من كمه بدا صلاحه، لكن قبل أن يتفتح وهو مصكوك كثيراً ما تهجم عليه الحشرات، أو تأتيه الآفات ولا يتفتح، ولا يغلب على الظن سلامته إذا لم يتفتح، إنما يغلب على الظن سلامته إذا بدأ يتفتح، فهذا يكون بتفتحه من أكمامه.
فهذه من أشهر علامات بدو الصلاح.
قال رحمه الله تعالى: [ولا زرع قبل اشتداد حبه]: أي: ولا يجوز بيع الزرع قبل اشتداد حبه، كالشعير ونحوه؛ لحديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحب حتى يشتد).
وكذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الحب حتى يبيض، وإذا اشتدّ يبدأ ييبس غلافه الخارجي، وهذا هو البياض، أي: يشتدّ ويشتدّ حتى يتساقط ما عليه ويكتمل استواؤه.