[ثم يرجع فيبيت بمنى ثلاث ليال] ثم بعد انتهائه من طوف الإفاضة وسعيه، يرجع إلى منى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى منى يوم النحر، واختلفت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل صلى الظهر بمكة، أو صلاها بمنى؟ وفي هذه المسألة خلاف مشهور، وأقوى ما ثبت حديث ابن عمر رضي الله عنهما:(أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمنى)، والرواية بصلاته بمنى أقوى، وعليه فيرجح القول بأنه صلى بمنى، وما ورد من الروايات بصلاته بمكة أجاب جمع من العلماء: بأن الرواية بكونه صلى بمنى اعتضدت بروايات أخر، حتى صارت الشهادة كاملة، بخلاف رواية جابر أنه صلى بمكة.
وثانياً: أن حديث الصلاة بمكة يحمل على الإذن، أي: استؤذن عليه الصلاة والسلام فأذن بالصلاة بمكة، ولذلك قالوا: الأفضل والأكمل أن يصلي الظهر بمنى.
وقال بعض السلف رحمهم الله: إذا كان يوم النحر موافقاً ليوم الجمعة، فإن الأفضل له أن يمضي إلى منى ويصلي الظهر بمنى؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمنى، وهي أفضل من الجمعة؛ لمكان الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
[فيرمي الجمرة الأولى وتلي مسجد الخيف بسبع حصيات].
يبيت بمنى ليلة الحادي عشر، والمبيت واجب، وهو مذهب جمهور العلماء، خلافاً لأصحاب الإمام أبي حنيفة حيث قالوا: إن المبيت ليس بواجب.
والصحيح: مذهب الجمهور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الحديث الصحيح:(أنه رخص للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية) وقوله: (رخص) يدل دلالة واضحة على أن الأصل عزيمة؛ لأن التعبير بالرخصة يدل على أنها استباحة للمحظور، فدل على أن المبيت بغير منى للحاج محظور عليه من حيث الأصل، فيجب عليه أن يبيت بمنى ليالي التشريق، ثم إذا وجد عنده العذر من اشتغاله بمصالح الحجاج العامة، كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم السقي والرعي، فحينئذٍ يجوز له أن يترخص، وأما من عدا هؤلاء فإنه يجب عليهم المبيت بمنى؛ لأن السنة واردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بات بمنى، وقد وقع فعله بياناً للواجب، والقاعدة: أن الفعل إذا وقع بياناً لواجب فهو واجب.
فاجتمع هذان الدليلان القولي والفعلي، القولي: بالرخصة للعباس، والفعلي: بمبيته صلوات الله وسلامه عليه بمنى.