الذي يكون في المعركة ثم سقط عن دابته أو وُجِد ميتاً ولا أثر للجراح به، لماذا لم يأخذ حكم الشهداء، والقاعدة: أن ما قارب الشيء أخذ حكمه، حيث إنهم خرجوا للجهاد وقاتلوا ولكنهم قتلوا بالسقوط ونحوه، فلماذا لم يأخذوا حكم الشهداء؟
الجواب
هم آخذون منزلة الشهداء، ومنازلُ الشهداء تختلف؛ لكن مسألة أنه لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يكفن، هذه تختص بما ورد، وذلك نظراً لأن الجراح فيها دماء والبلاء بها أعظم، والشهادة فيها أكثر أذيةً وضرراً وبلاءً في الغالب؛ فإنه يختص الحكم بمن كانت فيه الجراح وقتل بجراحه، وأما من قتل بالصعق وبغير جرح فهذا لا يشمله الحكم، وقد نص على هذا جماهير العلماء كما ذكرناه في المسألة التي تقدمت؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(زملوهم بثيابهم) ونهى عن تغسيلهم، وهذا يدل على أن المراد الدم، وفي نفس الحديث الذي أمر بتزميل الثياب قال عليه الصلاة والسلام:(فإنه ما من جرحٍ يجرح في سبيل الله ... ).
فقوله:(فإنه) جملةٌ تعليلية، أي: أمرتكم بتزميلهم في ثيابهم؛ لأن جراحهم تشهد لهم؛ وهذه من العلل المنصوصة؛ لأنه أشار إليها بالنص، وإن كان العلماء رحمة الله عليهم استنبطوها بالمعنى، فإنه لما قال:(زملوهم) ثم قال: (فإنه) يدل على التعليل؛ لأن قوله:(فإنه) بمثابة تعليل لما قبلها، والجمل التعليلية تعتبر حجة في التعليل، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:(إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه ثلاثاً قبل أن يدخلها في الإناء؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يديه) أي: أمرتكم بهذا لأن أحدكم لا يدري أين باتت يده.
وقال في الذي وقصته دابته:(اغسلوه بماءٍ وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) أي: أمرتكم بهذا، فانظر إلى قوله:(لا تمسوه بطيب) وقوله: (فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) تجده دليلاً على أن هذه الجمل بمثابة التعليل؛ فكأنه يقول: لا تغسلوا الشهداء إذا جُرِحوا؛ لأن جراحهم تشهد لهم، والله تعالى أعلم.