قوله:(إذا قال: طالق ثلاثاً قبل قدوم زيد بشهر) والأمر لا يتوقف على الشهر، ممكن أن يقول لها: بشهر، بأسبوع، بسنة، بيوم، والمهم أن يحدد مدة من الزمان، فعبر بالشهر حتى تتضح الصورة، فإن قال لها: أنتِ طالق قبل قدوم زيد بشهر، لا يخلو قدوم زيد بعد هذه الكلمة من الصور التالية: الصورة الأولى: أن يقدم قبل أن يتم شهر من هذا القول فلا يقع الطلاق؛ لأننا تبينا أنه لغو ولم يصادف الزمان.
ثانياً: أن يقدم زيد بعد شهر تام، بحيث لا يكون هناك وقت لمضي الطلاق ووقوعه.
ثالثاً: أن يقدم زيد بعد شهر ووقت يسير يمكن أن يقع فيه الطلاق، فأصبحت القسمة العقلية تقتضي ثلاث صور: إما أن يقدم زيد والمدة لم تتم، فتبينا أنه لغو ولا يؤثر، وإما أن يقدم زيد والمدة قد تمت، لكن ليس هناك زيادة في الوقت يمكن أن يقع فيها الطلاق، فهي في حكم ما لم تتم المدة، مثلاً: لو قال لها في الساعة الثانية ظهراً من أول محرم: أنتِ طالق قبل قدوم زيد بشهر، وجاء زيد في الساعة الثانية في نفس اليوم الذي يتم به شهر كامل، بحيث دخل في نفس الوقت -والمراد فقط ضبط الضابط- ولذلك يقول المصنف:(ومضى وقت يمكن فيه الطلاق) فأنت إذا عرفت هذه المسألة ربما يأتيك مثلها في مواضع تحتاجها، كالبيع والرهن، فتقول: يمضي الشهر وتمضي مدة يمكن أن يقع فيها الطلاق، فإن مضى الشهر ولم تمض المدة التي يمكن في مثلها وقوع الطلاق فقد تبينا أن الطلاق لم يقع، فصارت في حكم ما لم تتم المدة، فعندنا صورتان من الثلاث لا يقع فيها الطلاق: الصورة الأولى: ألا تتم مدة الشهر.
الصورة الثانية: أن تتم ولا يمضي قدر من الزمان يمكن فيه الطلاق، يعني: ممكن شخص يعلم بهذا ويقول: أنت قلت: أنتِ طالق قبل قدوم زيد بشهر، وجاء زيد على نفس الوقت الذي يتم به الشهر من فيه تلفظ، ممكن أن يقع هذا، فلو سألك على هذا الوجه تقول: لم تأت مدة يمكن أن يقع فيها الطلاق، وهي التي يسمونها مدة الإمكان، فعندنا المدة التي علق عليها الطلاق، وعندنا مدة إمكان الطلاق، فلابد من وجود المدتين، المدة الأولى: مدة الشهر كاملاً، والمدة الثانية: مدة الإمكان وزمن الإمكان.
أما الصورة الثالثة: أن يمضي الشهر وزيادة على وجه يمكن فيه وقوع الطلاق، فلو قال لها: أنتِ طالق قبل قدوم زيد بشهر في أول محرم، وقدم زيد في أول -مثلاً- ربيع، فحينئذٍ يكون طلاقها في أول صفر؛ لأن الذي قبل ربيع الأول صفر، فتقول: تكون طالقاً من أول صفر؛ لأنه قال: أنتِ طالق قبل قدوم زيد بشهر، ولو قال لها في أول محرم: أنتِ طالق قبل قدوم زيد بشهر، وقدم زيد في أول رمضان، فإنها تطلق في أول شعبان، وتحتسب عدتها من أول شعبان، وتسري الأحكام عليها من أول شعبان.
فعرفنا أن الصورتين الأوليين لا يقع فيها طلاق، فالصورة الأولى: إذا لم تمض المدة، وتكون في حكم قوله: أنتِ طالق بالأمس، والصورة الثانية: أن تمضي المدة وليس هناك زمن إمكان الوقوع، وأما الصورة التي يقع فيها الطلاق فهي إذا مضت مدة الشهر مع زمان الإمكان.
قال رحمه الله:[وإن قال: طالق ثلاثاً قبل قدوم زيد بشهر، فقدم قبل مضيه، لم تطلق] فقوله: (قدم قبل مضيه لم تطلق) لماذا؟ لأنه مثل قوله: أنتِ طالق بالأمس؛ لأنه إذا قدم، قال لها: أنتِ طالق قبل قدوم زيد بشهر في أول محرم، وقدم زيد في الخامس عشر من محرم، فقد أسند الطلاق إلى الخامس عشر من ذي الحجة، والخامس عشر من ذي الحجة لم يقع فيه طلاق، فحكى كذباً فصار لغواً، مثل قوله: أنتِ طالق بالأمس، إذا لم يقصد به الطلاق.
قال رحمه الله:[وبعد شهر وجزء تطلق فيه يقع] فقوله: (وبعد شهر) هذا الشرط الأول (وجزء) هو الذي قلنا: قدر الإمكان، (وجزء) تستطيع أن تقول: أي: قدر من الزمان يمكن أن يقع فيه الطلاق ولو دقيقة أو نصف دقيقة الذي هو زمن الإمكان للتلفظ بالطلاق ووقوعه.