[مذاهب العلماء في ألفاظ الكناية]
قال رحمه الله: [وكنايته الظاهرة].
إذا ثبت أن في الطلاق ألفاظ كنايات تدل على الطلاق ليس بصريحها، ولكن باحتمالها.
فإنها تنقسم هذه الألفاظ إلى قسمين: القسم الأول: يدل على الطلاق دلالة قوية، تشبه الصريح.
القسم الثاني: وهو دون ذلك.
وفي مذهب الحنابلة رحمهم الله قسموا الكنايات إلى ثلاثة أقسام: كناية ظاهرة، وكناية خفية، وكناية مختلف فيها.
فهناك ألفاظ اتفق على أنها ظاهرة، وألفاظ اتفق على أنها خفية، وألفاظ ترددت بين الخفي والظاهر.
والحنفية رحمهم الله عندهم العبرة في باب الكنايات بالنية، فألفاظ الكنايات كلها يرجعون فيها إلى النية؛ لكنهم استثنوا (اعتدي) (واستبرئي رحمك) (وأنت حرة).
فـ (اعتدي) لأن العدة لا تكون إلا من طلاق، (واستبرئي رحمك) لأن الاستبراء من الرحم مثله (وأنت حرة) فالمرأة لا تكون حرة إلا إذا خرجت من عصمة زوجها، فهذه الألفاظ الثلاثة عندهم أقوى ألفاظ الكنايات الدالة على الطلاق.
وأما بالنسبة للمالكية رحمهم الله فهم أوسع المذاهب في وقوع الطلاق؛ لأنه سبق وأن ذكرنا الرواية عنهم أنهم يطلقون بالنية، حتى لو أن اللفظ لا يحتمل الطلاق ألبتة، أو ليس له أي علاقة بالطلاق، ونوى الطلاق به طلقت، ونصوا على أنه لو قال: (اسقيني ماءً) ناوياً به الطلاق؛ طلقت، فأوسع مذهب في الطلاق هو مذهب المالكية.
فأصبح اللفظ عندهم ضعيفاً؛ لأنهم يرون تأثير النية أكثر من اللفظ، ولذلك تجد مسألة الكنايات عندهم ليست كغيرهم ممن يجعل حدوداً وضوابط معينة، ويقسم اللفظ إلى الصريح وغير الصريح، ويجعل للفظ تأثيراً كما هو مذهب الجمهور.
أما الشافعية رحمهم الله ففي الحقيقة أن مذهبهم من أقرب المذاهب، والحق يقال في هذا؛ فإنهم قالوا: الأصل أن الكنايات لا يقع بها الطلاق إلا إذا نوى، وليس عندهم كناية ظاهرة ولا خفية، وإن كان بعض الألفاظ أقوى من بعضها، لكن باب الكنايات عندهم واحد، فيرون أن الأمر راجع إلى نية المكلف، إن نوى الطلاق وقع، وإذا لم ينو لم يقع، إلا أن الحنابلة في مذهبهم أقوى من الشافعية رحمهم الله لاعتمادهم الروايات عن الصحابة، وقضاء الخلفاء الراشدين، مثلاً: قضية (بتة)، وحكمهم فيها بالثلاث، وكذلك قولهم: (أنت حرام) (وأنت الحرام)، وقضاء علي رضي الله عنه فيها بالثلاث.
فمذهب الصحابة يؤكد أن هناك ألفاظاً هي دالة على الطلاق وإن لم تكن من صريح الطلاق، فعندما يقول الرجل لامرأته: أنت بتة، والمبتوتة -والعياذ بالله- هي المقطوعة، فإذا قال لها: أنت بتة، يعني: قطع ما بينه وبينها، قالوا: هذا ما فيه إشكال أنه يريد الطلاق.
فمثل هذا اللفظ نفسه يدل على الطلاق، ويدل على حل العصمة، ولذلك يقارب الصريح، ومثله (بتلة، برية، أنت الحرج، أنت خلية)، هذه الألفاظ التي ذكرها المصنف.