قال رحمه الله:[وإن لم يدخل بها بانت بالأولى ولم يلزمه ما بعدها، والمعلق كالمنجز في هذا].
الآن بالنسبة للإشكال في طالق (طالق طالق)، أو (طالقٌ قبلها طلقة)، أو (طالقٌ بعدها طلقة)، هل هو للتأكيد؟ أو للتأسيس؟ فالمسألة كلها تكون: هل لمعنى التأكيد أو لمعنى التأسيس؟ ففي الصورة الأخيرة:(أنت طالقٌ قبلها طلقة)، انظر! فهل وصفه باسم الفاعل:(أنتِ طالق) مراده الطلقة القبلية، أم أنها طلقة غير الطلقة القبلية؟ فهو ناوٍ في قلبه أن قوله:(طلقة) سبقت (طالق)، فهل (طالق) الثانية تأكيد أم تأسيس؟ فعلى هذا الوجه ذكر المصنف هذه المسألة.
قال رحمه الله تعالى: [وإن كرره بـ (بل) أو (ثم) أو بـ (الفاء) أو قال: بعدها أو قبلها أو معها طلقةٌ وقع اثنتان]: وقعت اثنتان، يعني: إذا قال لها: (أنت طالق بل طالق) فتُعد طلقتان؛ وطالق فطالق، أنت طالقٌ ثم طالق، كذلك قالوا: إن هذا يعتبر تأسيساً، ولا يمكن أن يقبل التأكيد، فهو إذا قال:(أنت طالقٌ طلقة)، (أنت طالقٌ بعد طلقة)، (أنت طالقٌ قبلها طلقة) لكن لاحظ! حينما قال: (أنت طالق قبلها طلقة) أخَّر المقدَّم وقدَّم المؤخَّر، فهل المؤخَّر هو المقدَّم أو لا؟ هذا الإشكال فهل قوله:(طالق) -اسم الفاعل- وصفٌ للمتقدم الذي أخَّرَه، فيكون قوله:(طلقة) في الأصل سابقة لـ (طالق)، فيكون وصفها بكونها طالقاً واقعاً للمؤخر الذي هو (طلقة)، فيكون قوله:(أنت طالق قبلها طلقةٌ)، المراد به: أن تكون طلقةً واحدة.
ويحتمل أن يكون قوله:(أنت طالقٌ قبلها طلقة)(أنتِ طالق)، طلقت ولا تقبل الإلغاء، ثم:(قبلها طلقة) يقصد به أنه قد طلقها طلقةً مع هذه الطلقة، فتكون طلقتان، وحينئذٍ اختار المصنف أنها طلقتان، وعلى هذا القول فقول الزوج:(أنتِ طالقٌ قبلها طلقة)، (أنتِ طالقٌ بعدها طلقة)، في الصورتين تكون طالقاً بالطلقتين، هذا وجه، وخلاصة الإشكال: هل هي للتأسيس أو للتأكيد؟ فإن قلت، للتأكيد، فلا يتكرر الطلاق، وإن قلت: للتأسيس، تكرر الطلاق على حسب ذلك.
ولو قال لها:(أنتِ طالقٌ قبلها طلقة، وأنتِ طالقٌ بعدها طلقة)، أو قال لها:(أنت طالقٌ قبلها طلقتين)، فثلاث؛ لأن (أنتِ طالق) اسم الفاعل وصف، وتكون حينئذٍ طلقتان على مذهب من يقول: إنه للتأكيد على أنه للوصف، وإن كان للتأسيس فيكون قوله:(أنت طالقٌ قبلها طلقتان) ثلاثاً، ويصبح في هذه الحالة وصفها بكونها مطلقة طلقة ثالثة بعد الطلقتين السابقة.
وإن قلت: ليس مراده ذلك، فـ (طالق) اسم فاعل، واسم الفاعل يقبل الوصف، وهو مشتق، فيكون قوله:(أنت طالقٌ قبلها طلقتين) يعني: أنت طالقٌ بالطلقتين، أصفك بكونك طالقاً بطلقتين، هذا معنى كونها للتأكيد، وهذا -في الحقيقة- تفنن من العلماء؛ لأن التفنن في اللغة كان -قديماً- موجوداً، وتجد الرجل يتمسك بالألفاظ، وإذا لَحَن يؤاخذ، فكانوا الناس ينقلون ويأخذون بألفاظهم كما هي، وكانت اللغة قائمة بدلائلها بالتأسيس والتأكيد، وحروف التأسيس التي لا يمكن حملها على التأكيد، وعلى هذا فصل المصنف -رحمه الله- واختار أن قوله:(أنت طالقٌ قبلها طلقة)، أو (طالقٌ بعدها طلقة) أنها تطلق طلقتين.
وعلى هذا ممكن أن تطلق ثلاث تطليقات لو قال لها: قبلها طلقتان، أو بعدها طلقتان.