[حكم القصر في السفر ومن أين يبتدئ به]
[سن له قصر الرباعية ركعتين إذا فارق عامر قريته أو خيام قومه].
[سن له] أي: لا يجب عليه القصر.
وهذا مذهب الجماهير؛ لأن عثمان رضي الله عنه وأرضاه أتم الصلاة بالناس في حجه، ومع ذلك صلى وراءه الصحابة، فدل على أن الإتمام لا يعتبر موجباً لبطلان الصلاة، ولا يحكم فيه بإثم صاحبه، وعلى ذلك فإنه من السنة، ولكن ينبغي على الإنسان أن لا يجاوز هذا الهدي، فإنه إذا قال: أريد أن أتم الصلاة وأنا مسافر طلباً للفضل فإنه تخشى عليه الفتنة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتم الصلاة لطلب الفضل، وإذا صلى زيادة على الركعتين فجعل الرباعية المقصورة أربعاً معتقداً أنه يكون له فضل الركعتين وأنه أفضل فإنه مبتدع في قول جماهير العلماء رحمة الله عليهم.
إنما الكلام فيما ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم من إتمام عثمان، وقد أجيب عنه بأجوبة: فقيل: إن عثمان رضي الله عنه تزوج من أهل مكة، كما ورد في مسند أحمد أنه قال: (إني تأهلت بمكة، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تأهل ببلد فليتم فيه)، فيعتبر كأنه مكي من هذا الوجه.
وقيل: إنه سمع أعرابياً يقول: ما زلت أصليها ركعتين منذ أن فارقتك عام أول.
قالوا: إن هذا يدل على أن عثمان رضي الله عنه خاف أن الجهال يعتقدون أن الرباعية ركعتان، ولذلك قالوا: إنه أتم لخوف هذه المفسدة، فزاد في الصلاة من هذا الوجه.
فهذه من أقوى الأوجه التي اعتذر بها لأمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين رضي الله عنه وعنهم أجمعين.
وقوله رحمه الله: [سن له قصر الرباعية] يدل على أن القصر يختص بالرباعية، وهي الظهر والعصر والعشاء، أما صلاة الفجر والمغرب فإنها لا تقصر بإجماع العلماء رحمة الله عليهم.
قوله: [إذا فارق عامر قريته أو خيام قومه].
الإنسان له حالتان: فإما أن يكون في مدينة وقرية ونحو ذلك، وإما أن يكون في خيام وبر.
فإن كان في مدينة قلنا: إنه إذا خرج من آخر بنائها فإنه يعتبر مسافراً، فلو أن البنيان اتصل بالبساتين والحوائط فلا يخلو من حالتين: الأولى: أن تكون الحوائط عامرة، فحينئذٍ بعد أن يخرج منها يقصر.
الثانية: أن تكون الحوائط مهجورة والبيوت مهجورة فإن العبرة بالعمران، فبمجرد خروجه من المواضع التي فيها العمران يقصر الصلاة ويستبيح رخص السفر من الفطر ونحوه.
وإذا كان في الخيام فإما أن تكون له خيمة منفردة، فحينئذٍ يبتدئ الرخص بمجرد ركوبه على دابته ومفارقته لخيمته، كأن يولي قفاه لها.
وإما أن يكون مع خيام جماعته وقرابته أو قوم معه، فحينئذٍ إذا جاوز آخر خيمة من هذه الخيام فإنه يترخص برخص السفر، ويأخذ حكم المسافر بمجاوزتها.