[كفارة جماع الزوجة الحائض]
قال المصنف رحمه الله: [فإن فعل فعليه دينار أو نصفه كفارة].
(فإن فعل) أي: المكلف، تجاوز حدود الله عز وجل وجامع امرأته وهي حائض (فعليه دينار أو نصفه) الأصل في هذا حديث ابن عباس -اختلف في رفعه ووقفه- أن النبي صلى الله عليه وسلم وقّت هذا، وهو رواية أبي داود، وحسنه غير واحد من أهل العلم، ومنهم من صححه فقال: إنه صحيح لغيره، ومنهم من ضعفه، والقول بتحسينه أقوى، فهذا الحديث أمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بدينار أو نصف دينار.
ثم اختلف في هذه الصدقة، فقال بعض العلماء: إن قوله (دينار أو نصف دينار) للتنويع، فإن شاء تصدق بدينار وإن شاء تصدق بنصف دينار، وهذا إحدى الروايات عن الإمام أحمد رحمة الله عليه، أنه مخير بين أن يتصدق بالنصف وبين أن يتصدق بالدينار.
واستشكل بعض العلماء: كيف يؤمر بالأقل والأكثر في كفارة واحدة؟! وهذا ليس بإشكال؛ فإن الله عز وجل أمر من أفطر كالشيخ الكبير أو من لا يطيق الصوم بالفدية؛ وهي: إطعام مسكين، وهذا أقل شيء، ثم قال: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة:١٨٤] فذلك يدل على أنه قد يرد في الكفارة الجمع بين الأقل وبين الأكثر، وكذلك أيضاً: لا ضرر في هذا التخيير، إذ قد يجمع بين الشيء ونصفه، وقد يجمع بين الكامل ونصف الكامل، وذلك على سبيل الوجوب، فنقول: لا مانع أن الشرع يأمر بالدينار ونصف الدينار، ولا يتجه اعتراضهم بأنه جمع بين الكامل ونصف الكامل؛ لأن الله أباح قصر الصلاة في السفر، وثبت في السُّنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الرباعية تقصر إلى ركعتين، ومع هذا لو أتم صلاته -كأن يصلي وراء حاضر- فلا حرج عليه، فجمع بين النقص للنصف وبين كمال العبادة.
والمقصود: أنه إذا جاءت السُّنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فهي حَكَم على كل قول، وبناءً على ذلك يتصدق بدينار أو نصف دينار على التخيير.
وقال بعض السلف -وهي فتوى ابن عباس رضي الله عنهما- سبب التخيير بين الدينار ونصف الدينار سببه: أن الجماع في الحيض يختلف، فإن كان في أول الحيض فدينار، وإن كان في آخره فنصف دينار.
وقال بعضهم -وهو قول ثان لبعض السلف أيضاً-: دينار إن كان في أول الحيض، ونصفه إن كان في أوسط الحيض أو آخره.
وتقسيم الحيض إلى أول ووسط وآخر يكون إما بالزمان وإما بالتمييز، مثال ذلك بالزمان: أن تكون عادة المرأة ستة أيام، فأوله: اليومان، وأوسطه: الثالث والرابع، وآخره: الخامس والسادس.
أما تأقيته بالصفات: فكأن يجري معها دم الحيض في الأيام الأول -يومان مثلاً- أحمر شديد الحمرة قريب إلى السواد، ثم يجري معها في اليومين الأوسطين أحمر شديد الحمرة، ثم في اليومين الأخيرين يجري معها أقل حمرة أو قريباً إلى الصفرة، فبناءً على هذا تؤقت إما بالزمان وإما بالصفة.
فإذا وقع في زمان شدة الدم وحمرته واشتداده في أوله فدينار، وإن كان في آخره فنصف.
وفتوى ابن عباس تقوي التفصيل؛ إن كان في أوله فدينار، وإن كان في آخره فنصف، وهو قول من القوة بمكان.
أما بالنسبة لقدر الدينار: فالدينار الإسلامي القديم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وما بعده إلى عهد الخلفاء وكذلك دينار عبد الملك بن مروان يعادل مثقالاً، والمثقال: يعادل بالجنيه السعودي الموجود الآن جنيهين إلا ربعاً، فيتلخص أن أربعة أسباع الجنيه السعودي تعادل قدر الواجب، فلو فرضنا أن الجنيه السعودي تقدر قيمته بسبعين ريالاً -مثلاً- فيصير أربعة أسباعه كم؟ تقسم السبعين على عشرة، وتخرج نسبتها فيكون السُبع عشرة، فأربعة أسباعه: أربعون ريالاً، أي: بما يجاوز نصف الجنيه بقليل.
قال المصنف رحمه الله: [ويستمتع منها بما دونه].
قوله رحمه الله: (ويستمتع) من المتعة وهي: اللذة.
وقوله: (بما دونه) أي: بما دون الموضع الذي حرم الله الجماع فيه، وظاهر كلام المصنف أنه سواء وُجد حائل أو لم يوجد حائل، وهي المسألة التي تعرف عند العلماء بـ (مسألة المفاخذة ونحوها).
فقال بعض العلماء -كما تقدم-: يجوز، وهو المفهوم من ظاهر كلام المصنف؛ ودليله حديث عائشة: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) وهذا عام، (وكل) -كما يقول الأصوليون-: من ألفاظ العموم، فله أن يستمتع بكل شيء ما لم يصل إلى الحرمة؛ كالوطء في الدبر، فهذا مما حرم الله، ولكن يبقى ما عداه على الأصل؛ لأن الله جعل المرأة عفة للرجل، وجعل الرجل عفة للمرأة.