لأن الله تبارك وتعالى يقول:{وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ}[الطلاق:٢] فأمر الله تبارك وتعالى بالإشهاد على الرجعة.
وهذا الإشهاد من حيث الأصل فيه حكم عظيمة؛ لأن المرأة إذا طلقت فإن هذا نوع من الانفصال، بحيث لو خرجت من العدة صارت أجنبية.
فإذاً: رجوعها إلى زوجها يترتب عليه أحكام من حلها وغير ذلك، وخاصة على القول الذي يقول: إن الرجعية أجنبية، يعني: لا تعتبر في حكم الزوجة، كما هو مذهب الشافعية وغيرهم.
وأيضاً يثبت بذلك أحكام: فلو أنه توفي فجأة، أو جاءته سكتة، أو جاءه حادث -والعياذ بالله- فالإشهاد فيه صيانة، وحفظ للحقوق، فلو أن رجلاً طلق امرأته ثم قال لرجل: راجعت زوجتي، ثم ركب سيارته وتوفي، أو جاءته سكتة في تلك الليلة ولم يصبح منها؛ فإنها زوجة، ويجب عليها الحداد، وحكمها حكم الزوجات، فكيف نثبت هذه الزوجية والكل يعلم أنها قد طلقت؟! فإذاً الإشهاد على الرجعة فيه خير للزوج والزوجة، وحفظ لحق الزوج، وحفظ لحق الزوجة.
ولذلك لو كان الزوج في مكة والزوجة بالمدينة، وقبل خروجها من عدتها بيوم أو أثناء عدتها قال لشخصين: اشهدا أني راجعت زوجتي، ثم سافر يريد أن يخبر زوجته ويردها إليه، فلما وصل إليها وجدها قد خرجت من عدتها، فإذا وجدها قد خرجت من عدتها فإنها ستنكر أن تكون زوجة له، وتقول له: يا فلان! طلقتني وخرجت من عصمتك بخروجي من عدتي، فأنت أجنبي مني وأنا أجنبية منك، فإنه لا يستطيع أن يثبت هذا إلا بالشهود، فإذاً يضيع حقه لو لم يكن مشهداً، ويضيع حقها أيضاً إذا توفي عنها إلا إذا كان مشهداً، فالشهادة لا شك أنها تحفظ الحقوق.
واختلف العلماء في الإشهاد على الرجعة: فمنهم من يقول: الشهادة على الرجعة واجبة؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول:{وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ}[الطلاق:٢]، والأمر للوجوب حتى يدل الدليل على صرفه ولا صارف له، وهو قول الشافعية وطائفة.
وقال بعض العلماء: الإشهاد مسنون كما اختاره المصنف رحمه الله، وهو قول الجمهور.